وليد أبو ملحة



كان نهار المملكة التالي للقرارات التاريخية ليس كغيره من الأيام، فقد أشرقت الشمس بأشعتها الدافئة كما لم تشرق من قبل، كان الجميع يستنشقون هواء نزيها نقيا يملأ صدورا أضناها ضيق الفساد، ولكنه يخرج هذه المرة وقد سكنت تلك النفوس المضطربة.

إن ما صدر من قرارات ليس إيذانا رسميا بمحاربة الفساد، بل هي ملحمة حقيقية بكل ما يعنيه هذا الاصطلاح من معنى ، بل أكاد أجزم أن دولة سعودية رابعة خرجت إلى النور، فنحن حقا نرى دولة تعيد اكتشاف نفسها من جديد، دولة قوية الأساس متكاملة الأركان، تخلصت من ترهل السنين، ووضعت نهاية حقيقية لغول الفساد، العدو الحقيقي للتنمية والتقدم. ذلك الغول الذي أيقنّا في لحظة من اللحظات أنه بلغ من الحجم والقوة بحيث يستحال مجابهته والتغلب عليه، هذا إذا علمنا أيضا أن من يضخ الدماء في أوصاله ويغذيه ويسنده، هم بعض المتنفذين.

إن محاربة الفساد لا تقتصر على من أنهكوا اقتصاد هذا البلد، ودمروا مقدراته، بل إن المعركة تشمل كل مفاصل هذا الفساد، فلن يكون هناك مكان بعد الآن لدعاة التطرف واختطاف الوسطية، ولن يكون هناك موضع قدم للحزبيين ومنظري الطائفية، كما لن تكون هناك مساحة لتحركات المنافقين والوصوليين والانتهازيين والمرجفين.

وفي هذه الحقبة، سنعرف نوعية جديدة من الوزراء والمسؤولين. سيوقن الجميع أن من يأتي إلى هذا الكرسي سيكون بفضل كفاءته ونزاهته فقط، وأن هذه ستكون معايير الدولة الفتية القادمة، فقد اختلفت المعايير، واختفت إلى الأبد معايير المسؤول ذي الخلفية الاجتماعية والقبلية والمناطقية المعروفة، كما أن المسؤول في هذا الزمن الزاهي سيكون مسؤولا كامل المسؤولية عن كل ما يقع في منظومته وضمن مسؤولياته، وسيكون تحت مساءلة من نوع جديد، عنوانه البارز الشفافية والوضوح، وسيحاسب خلال وبعد تركه منصبه، ولن ينجو من المساءلة حتى يلقى ربه.

سيكون المسؤول في هذه الدولة الفتية ديناميكيا، تتوافق طموحاته وإنجازاته مع روح العصر الحديث، فزمن الترهل قد مضى، وإلا سيجد نفسه خارج العجلة الدائرة بسرعة وبقوة طرد الفساد المركزي.

من الآن، لن يكون هناك علاج مسكّن أو موضعي للفساد، بل إن البتر والكي سيكونان هما أول وآخر الحلول، من الآن سيكون للمملكة مواطنٌ بدرجة واحدة، فقد أيقن الجميع أن الأمير والمسؤول الكبير والمليونير الشهير تحت طائلة القانون والمساءلة مثلهم تماما مثل أي مواطن عادي.

من الآن، ستختفي من مجتمعنا مصطلحات كانت تعبّر عن مرحلة فساد قد ولت إلى الأبد، فالهوامير أصبحوا في حجم سمك الساردين، وستجد تجارة الشبوك كسادا عظيما، كما أن القطط السمان ستختفي في جحورها إلى الأبد .

إن جسد الوطن الذي أنهكته أمراض وأوبئة الفساد، قد خرج من غرفة الإنعاش، وبعثت في شرايينه دماء الإصلاح النقية، فعادت إليه نضارته وبهجته من جديد.

إن هذه الدولة الفتية -وبهذه القرارات التاريخية- قد أبعدتنا -بإذن الله تعالى- من مصير الهلاك الذي جاء على لسان الصادق الأمين عليه أفضل الصلوات والسلام، حين قام خطيبا فقال: «إن ما أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».

وأكاد أجزم أن ما حدث لا يشبه في تفاصيل أحداثه إلا ما فعله خامس الخلفاء الراشدين، الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز، بعد توليه الخلافة، فعودوا إلى سيرة هذا الخليفة العادل وستجدون ما أعنيه.

فهنيئا لنا بهذا الملك العادل الصالح، وبعضده الأمين الأمير الطموح الصادق المجدد، فمثلما نؤرخ تلك الفترة الزاهية من الدولة الأموية بالحقبة العمرية، فالحقبة السلمانية في نظر كل منصف هي إعادة عصرية لتلك الحقبة.

وختاما، حُقّ لهذا الوطن أن يرتدي أزهى حلة، وحُق لهذا المواطن أن يتنعم ببلد عظيم، وقيادة أثبتت أنها هبة عظيمة من الله سبحانه وتعالى لوطن اصطفاه الله لكل أصقاع الدنيا، فدام عزك يا وطن.