نجح معالي الأستاذ عمرو الدباغ في وسط البيروقراطية في تحقيق أفضل نجاح لهيئة حكومية، خاصة إذا ما قورنت مع باقي الهيئات مع الاحترام لكل واحدة منها، تتحكم فيها ظروفها وطبيعة اختصاصها في الكهرباء أو الاتصالات أو سوق المال وحتى السياحة والآثار، فالهيئة نجحت في تسهيل وصول المستثمر الأجنبي لدخول البلاد والترخيص لأي استثمار لرأس المال الأجنبي في المملكة سواء بصفة دائمة أو مؤقتة، وفي جميع الأنشطة الاستثمارية، عدا الأنشطة المستثناة بموجب النظام، ولقد نجحت الهيئة في ذلك من عدة أوجه:

الوجه الأول :- أنها نجحت في أن يكون لها كاتب عدل للشركات في حين ما يزال يطالب مجلس الغرف السعودية بمساواة رجل الأعمال السعودي بالمستثمر الأجنبي في تخصيص كتاب عدل للشركات السعودية بالعدد الكافي واللازم لحجم النشاط التجاري.

ولو وضعت وزارة العدل كتاب عدل متفهمين للعمل التجاري مع العدد المناسب من المساعدين بكل غرفة تجارية لتساوى السعودي بالأجنبي ولم يطالب مجلس الغرف بتلك المساواة.

الوجه الثاني :- نجحت الهيئة في إعطاء المستثمر الأجنبي رخصا، وإن كانت وهمية في بعض الحالات لأنه يحتاج بعدها إلى الحصول على التراخيص الأساسية من مختلف الأجهزة الحكومية من التجارة والبلديات والإعلام والتعليم وغيرها بحسب طبيعة العمل، ولكن مجرد الممارسة في إعطاء الترخيص خلال أيام يظل بكل أسف أفضل بكثير من التعامل مع الجهات الحكومية، وهذا ما اعتقده البعض إنجازاً وهو كذلك لمن يعاني من التعامل مع الأجهزة الحكومية التي عجزت عن خدمة المواطن أو رجل الأعمال السعودي في إعطائه التراخيص بدون فساد وبيروقراطية.

الوجه الثالث :- نجحت الهيئة في إدخال مفهوم المدن الاقتصادية وحافظت على مئات الكيلومترات التي حصلت عليها شركات المدن الاقتصادية، أما فشل هذه المدن في إدارة أعمالها ووصولها إلى حافة الإفلاس ومعاناتها من تخبط في التخطيط أو التنفيذ أو إدارة الأصول فذلك ليس من شأن الهيئة، نعم نجحت الهيئة وفشل رجال الأعمال السعوديون وظهر ضعف أداء وزارة التجارة وهيئة سوق المال وشركات التطوير العقاري وهذا ليس ذنب الهيئة.

الوجه الرابع :- ينظر الفكر السعودي للأجانب على أنهم عمال ولا يرقون لأن يكونوا من وجهاء الاستثمار والمجتمع ولم يتقبلهم كمستثمرين خاصة أن معظمهم من الطبقة الصغيرة والمتوسطة التي هي أساس المجتمع الاقتصادي وأهم محركاته في العالم.

ولم يتحمل هذه النظرة سوى المستثمرين الصغار ومتوسطي الحجم ومعظمهم من الدول العربية إذ يظل هذا المناخ أفضل مما في دولهم وأقل تكلفة عند دفع الضريبة في بلدانهم وعدد لا بأس منهم يقبل بذلك لرغبته في التواجد بالقرب من الحرمين الشريفين.

الوجه الخامس:- نجحت الهيئة في تسويق البلاد بصورة رائعة وجملت وتجملت في الصورة وهذا هو واجب المسوق في كل مكان أن يحلي ويروج لبضاعته فمن منتدى التنافسية إلى برنامج 10×10 إلى تقارير البنك الدولي كلها صناعة إعلام ومؤتمرات وبيانات يعدها المحترفون فقط وتعزز برحلات وسفريات ومنتديات خارجية فبهذا تسوق الشعارات أنها صناعة نجحت فيها الهيئة ولم تنجح بعض مؤسسات الدولة في ترجمتها.

ومن لم يصدق فعليه أن يرى إعلانات السياحة التي تروج لتركيا وتونس والأردن ومصر ودبي وأبو ظبي وجميعنا يعلم من هي الأروع والأفضل على شاشة التلفزيون في لحظات الإعلان ومن هي الأروع على أرض الواقع المخالف لما نراه على الشاشة من ترحاب في الإعلانات فقط.

الوجه السادس:- ألا يوجد فساد؟ نعم يوجد فساد ويوجد تعطيل لبعض التراخيص حتى يتم إدخال البعض شركاء أو دفع مبالغ وهي مسجلة في صورة شكاوى تقدمت بها معظم الغرف التجارية والعديد من رجال الأعمال ومنظورة أمام الجهات ذات العلاقة، ألا توجد أخطاء نعم توجد أخطاء، ولكن هذا قدر من يعمل خاصة إذا كان صاحب طموحات وآمال كبيرة لم يحققها منتدى الرياض الاقتصادي ولا منتدى جدة الاقتصادي طموحات لم تتمكن التجارة والصناعة والمالية والبلديات والعمل والنقد وسوق المال وهيئات الاتصالات والكهرباء من تحقيقها والتقدم نحوها حتى الجوازات والاستقدام لم تستوعبها، وبنظرة واحدة إلى كاونترات الجوازات والمطارات نجد أين يقع المستثمر الأجنبي وعليه ندرك أين هو من واقع الاستثمار الأجنبي.

ويدور الطرح حول الهيئة لماذا نجحت حيث فشل الآخرون، لأن طموحها كان فيما يريده ملك القلوب لوطنه واقتصاده وقريباً منه أعاده الله إلينا سليماً معافى.

وهناك تساؤل في اتجاه آخر للمقارنة هل نجحت مشاريع تطوير بعض الأحياء في المدن أو العشوائيات لنعيب على الهيئة عدم نجاح مدن اقتصادية كاملة؟ هل نستطيع أن نقدم مناخا وبيئة للاستثمار مشابهة لما هو في دبي حتى نعيب على الهيئة نوعية المستثمرين أو نجاحها في خدمتهم؟ أرجو لكل من ينتقد وجود هذه الطبقة الصغيرة والمتوسطة من المستثمرين أن يذهب إلى المطاعم المحترمة والجيدة وحتى الفخمة ويرى أن أكثر زبائنها من تلك الطبقة التي تصرف وتستمع بتواجدها في السعودية وتدعو أقاربها وأصدقاءها للحضور دون نجاح في معظم الأحوال وإذ حولت أرباحها لأوطانها فقد دفعت قبل ذلك ضريبتها وحركت اقتصادنا الوطني.

هناك أكثر من (3) تريليونات دولار لرجال أعمال من الوطن خرجت في جميع دول العالم واستثمرت في صيدلة ومطعم ومقهى كما استثمرت في مصانع وتجارة وفنادق وبنوك ولقيت كل ترحيب وكل التسهيلات ولو حرصت جميع أجهزة الدولة وسلطاتها على توطينها للاستثمار محلياً لاستغنينا عن البحث عن الأجانب والله ولي التوفيق.