دائما ما أحكي عن الجمال في الفن والإنسان والمكان، مستبعدا أحاديث القبح، إراحة للنفس، وبعدا عن مثيرات المزاج الحاد في فضاء موتور مختنق أصلا، ولكن ربما أن مصادفة القبيح كثيرا ما تؤكد قيمة الجميل وحاجتنا إلى معانقة أطيافه المبهجة.. لا أدري ما الذي استدعى فكرة استحضار الشخصيات «الأكثر سوءا» في فضاءاتنا المشتركة جميعا، والتي صادفتها، وربما أصادفها حتى الآن، في محاولة لقياس ذلك السوء في عيونكم أنتم.. أحبابي القراء والمعلقين، لعل معاييري ليست دقيقة أو ليست صحيحة من الأساس:
(1) في المدارس أسوأ ما أراه في العالم المدرسي معلمان: الأول هو معلم للعلوم الشرعية بتطرف، الذي يستغل عواطف تلامذته وخواء عقولهم، لبث أفكار الغلو والتطرف الديني، ونشر ثقافة الموت والعذاب، وتصنيف الناس من (معلمين آخرين) ومثقفين وإعلاميين بمعاييره الضيقة المتسلطة، ذلك التصنيف الذي يفضي إلى الكره والعنف والانقسام بين أبناء المجتمع!
أما المعلم الآخر فهو المعلم «الضعيف» الذي وجد نفسه مع زفة المعلمين، فصار معلما في لحظة كارثية، ولعل أبرز تداعيات ذلك النوع من المعلمين الغضب الأهوج على التلاميذ، وأداء العمل برتابة وغضب، والخوف المرير من كل رئيس، سواء أكان قائدا تربويا أو مشرفا أو حتى رئيسا لقسم ما، لدرجة قضاء اليوم الدراسي بوجل وتوتر، بلا فاعلية أو تأثير، أو انتظار أية مخرجات تعليمية وتربوية من أي نوع كان!
(2) في الجامعات أسوأ ما رأيت في عالم «الجامعة» هو ذلك الأستاذ الأكاديمي الحاصل على أعلى الدرجات العلمية، ومع ذلك تجد غيابا أليما في وعيه الداخلي لكل شواهد العلم والموضوعية والعقلانية، فتجده يقدس -على الملأ- داعية متطرفا، أو يحذر من كتاب بنداءات عاطفته المؤدلجة، أو يقصي طالبا متقدما لاختبار القبول في الدراسات العليا لأن التوصية التي كانت مع ذلك الطالب من أستاذ «حداثي» كما يقول، أو لأن الطالب أثنى على كتاب يزخر بالعلم والمعرفة الحديثة!!
(3) في مؤسسات الصحافة أسوأ ما رأيت في أروقة الصحافة، الكاتب الذي سخر قلمه واستغل نفوذ كلماته، لخدمة قضية شخصية واحدة «سواء أكانت قضيته إنسانا أو مكانا أو عرقا أو ناديا رياضيا.. وهكذا!»، إذ هو في كل الحالات كاتب «نمطي»، لا يقدم من الكون كله سوى نمط ضيق وحيد، وعاطفي للدرجة التي تجعل أي شخص عاقل ذهنيا وأمي تعليما، أكثر منه منطقية ومعرفة!! ولا بد أن يكون ذلك النوع متلونا متقلبا، فكل يوم له صاحب وممدوح، ما دام أن ذلك الانحياز يخدم عاطفته، ويحقق مصالحه النفعية البغيضة! ليظل الأثر من وراء كتاباته هشا تذروه رياح العالمين ببساطة متناهية!
(4) في المؤسسات الثقافية ما أجده سيئا في أحد تجليات هذه المؤسسة، هو ذلك المستأدب «المستثقف» الذي تقتصر غاياته في تسجيل الحضور المباشر، ولو لم يحدث من حضوره سوى غياب تام لرؤية جديدة وفكر مختلف وطرح مغاير، ما دام أن لديه عبارات جاهزة يدلقها في أي مكان، فلا تلفت النظر، وفي أي زمان فلا تحرك السكون..! يسير دائما بجانب «حائط الثقافة» فيظل على الأرض لا يسمو ولا يصعد أبدا!
(5) في الملاعب الرياضية لعل أسوأ ما رأيت في ملاعب الكرة لدينا متابع دائم الحضور على امتداد سنوات كثيرة لمشاهدة مباريات كرة القدم، ومع ذلك فإن الوعي الكروي لديه لا يتجاوز وعي ناشئ لا يزال (يتابع) اللقاءات الكروية الأولى في حياته، ولعل ذلك السوء يقل أثره المزعج مقارنة بذلك المتابع الآخر، الذي تأخذه عواطفه دائما للتقليل من مكانة وقيمة فريقه المنافس ماضيا وحاضرا، وفريقه لم يحقق عشر ما حققه الفريق المقابل، الذي شهد
له الزمن بالمجد المبين، وربما أن ذلك السوء لا يقارن -كذلك- بسوء حكم لمباراة بطولة تاريخية، كان وحده بين 40 ألف مشاهد داخل الملعب، الذي لم يشاهد الكرة تتجاوز بكامل محيطها المضاعف خط المرمى، بعد أن لمسها المدافع لإبعادها عمدا، ليقرر ذلك الحكم الإشارة باستمرار اللعب متجاهلا دخول الكرة المرمى، وتصرف المدافع معا، وهو على مسافة مترين من الواقعة/ الحكاية!
(6) في صالات السفر الأسوأ من في هذا المكان الجميل هم الذين يتواجدون داخل صالة سفر واحدة، واحدة «مفيش غيرها» محلية الصياغة، لا مثيل لها في كل مطارات الدنيا: «الصالة» التي دائما ما يردد معظم من فيها من موظفين العبارات المتكررة الآتية: «إيش تبغانا نسويلك؟-- الخطأ يا بويه منك انت!--انلغى حجزك.. من فين نجيب لأهلك حجز؟...»..!