مضت 50 عاما على الحرب العدوانية الإسرائيلية في عام 1967، التي أعادت ترسيم حدود إسرائيل لعام 1948، فخلال ستة أيام ازدادت المساحة الجغرافية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية بخمسة أضعاف. كما كبر حجم إسرائيل ديموجرافيا. وتطور الحديث عن وجود «طابور خامس» -في إشارة إلى الفلسطينيين الذين لم يهجروا وطنهم عام 1948- إلى حديث عن «قنبلة ديموجرافية» يشكلها الفلسطينيون بين البحر والنهر.
وطُرحت أسئلة سياسية وأخلاقية جوهرية وقاسية دارت حول الواقع المستجد الذي تمخض عن وضع شعب بأكمله تحت نير احتلال عسكري، على كل ما يعنيه وما يترتب عنه. فأطلق البروفيسور يشعياهو ليبوفيتش، مثلا، «نبوءة الغضب» التي حذرت من «تحوّل إسرائيل إلى دولة مخابرات»، ومن أن «استمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية سيؤدي، بالضرورة، إلى اعتماد سياسة مماثلة لتلك التي اعتمدها النازيون»، ومن أن «استمرار الاحتلال سيعني القضاء على إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، دمار الشعب اليهودي كله وانهيار البنى الاجتماعية التي أقيمت وتدمير الإنسان اليهودي والعربي على حد سواء».
واليوم، تدور سجالات إسرائيلية مختلفة تتمحور حول سؤال جوهري هو: ما الخيارات المستقبلية المتاحة أمام إسرائيل بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة؟. وفي إطار هذه السجالات أجرت صحيفة «دفار ريشون» الإسرائيلية، مطلع الشهر الجاري، حوارات مع خمسة إسرائيليين طرحوا خلالها أربعة خيارات حول مستقبل إسرائيل والضفة الغربية، هي الآتية:
الخيار الأول: دولتان للشعبين، يستند إلى تاريخ «فكرة التقسيم» والتحولات التي طرأت عليها، منذ صدور قرار التقسيم ومؤيدو هذا الحل في داخل إسرائيل يعتبرونه «ليس حلا عادلا فحسب، بل الوحيد الذي يسمح ببقاء دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية»، أيضا، ويجنّبها «خطر فقدان الأغلبية اليهودية».
ويؤكد المحامي غلعاد شير، أحد المشاركين الإسرائيليين في المفاوضات والاتفاقات السياسية مع الجانب الفلسطيني خلال العقود الماضية، أن «حل الدولتين للشعبين هو الطريق الوحيد الذي يضمن بقاء دولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية»، وأن إسرائيل ملزمة بالدفع نحو هذا الانفصال «حتى ولو بدون اتفاق شامل لحل الصراع»، لأن «الواقع القائم اليوم يشي بأن لا أمل في التوصل إلى تسوية شاملة ودائمة تتضمن حل كل الخلافات والإشكالات بين الطرفين، سواء حول القدس، أو اللاجئين، والأمن والحدود». ولذا، فهو يقترح «تسوية مرحلية تضمن تغيير مسار التدهور الراهن نحو دولة واحدة، لأن الوقت يعمل في غير صالحنا».
الخيار الثاني: دولة واحدة وسيادة إسرائيلية على الضفة الغربية «يهودا والسامرة» حسب التسمية الإسرائيلية.
وثمة أربعة توجهات مختلفة لبسط السيادة هي: بسط السيادة الإسرائيلية الكاملة على جميع مناطق الضفة الغربية، حكم ذاتي فلسطيني في منطقتي B وC من الضفة الغربية، ضم منطقة C فقط من الضفة الغربية، ضمن ما يسمى «خطة التهدئة». وتشجيع هجرة الفلسطينيين عن هذه المناطق.
الخيار الثالث: الإبقاء على «الوضع القائم»، وعبر عنه الجنرال (احتياط) يعقوب عميدرور، الرئيس السابق لـ«مجلس الأمن القومي» والقائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، بقوله: إن «الفجوة بين ما يريده الإسرائيليون وما يريده الفلسطينيون في الوضع الراهن أكبر وأعمق من أن يتم التجسير عليها والتوصل إلى تسوية سياسية. والحل الأفضل هو إدارة الوضع القائم بصورة صحيحة. في هذه اللحظة ليس هنالك استعداد لدى أي من الطرفين لتقديم جميع هذه التنازلات. ولذا، يجب إبقاء الخيارين مفتوحين، فربما يستطيع أبناؤنا، أو أحفادنا، التوصل إلى اتفاقية بعد 50 عاما».
الخيار الرابع: وطن واحد لشعبين، ويتلخص في: دولة واحدة مكونة من مجموعات مختلفة ذوات حكم ذاتي ومكانة متساوية. وقد ظهر هذا الخيار في عام 2002، حين تبلورت مجموعة ضمت الشاعر إليعاز كوهين، المستوطِن في «كفار عتصيون»، موطي أشكنازي، قائد الحملة الاحتجاجية التي أعقبت حرب تشرين 1973، البروفيسور إستر ألكسندر ود. حاييم آسا، وأقام هؤلاء حركة فكرية أطلقوا عليها اسم «عدالة». ويرى كوهين أن هذا الخيار «يبدو اليوم أقرب إلى الواقع مما كان عليه قبل خمس سنوات، مع اتساع الإقرار، «في إسرائيل وفي غالبية دول العالم بأن حل الانفصال غير واقعي».
ويبدو أن القاسم المشترك الوحيد لهؤلاء جميعا هو القلق الحقيقي على مستقبل دولة إسرائيل وسكانها، وهو قلق وجودي بامتياز. فضلا عن أن تلك الخيارات سبقتها خلال العقود الماضية رزمة خيارات نتجت جميعها عن وجود انقسام جوهري متوازن داخل النخب الإسرائيلية والصهيونية بين تيارين يتبنى أنصار التيار الأول مبدأ «وحدانية الشعب اليهودي»، بينما يتبنى أنصار التيار الثاني مبدأ «تكامل أرض إسرائيل». وأنتج هذا التوازن حالة دائمة من الشلل السياسي والفشل في إنجاز تسويات تعبر عن حالة سلام عادل ومتوازن وشامل بين أطراف الصراع في الشرق الأوسط، والتي تعتقد أن الصراع هو صراع وجود وليس صراع حدود.