انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو ينتزع فيه موظفون من دائرة الشؤون الاجتماعية [السوسيال] في السويد، أطفالا من عائلة لاجئة بشكل يخالف الصورة المعممة للسويد في أذهان الرأي العام في العالم العربي. إذ تعدّ جنة الحقوق والديموقراطية.
بداية؛ تجيز القوانين السويدية لدائرة الشؤون الاجتماعية حق انتزاع الأطفال من أهاليهم، سواء كانوا لاجئين أو مقيمين أو مواطنين، حال ثبوت تعرضهم لمعاملة سيئة أو عنف. ولا يصبح قرار انتزاع الأطفال نافذا إلا بعد مداولات طويلة وإثباتات لا يمكن دحضها، إلا في حال الخطر الداهم إذ يمكن اتخاذ قرار ذي طابع مؤقت لحماية الأطفال.
ولا يمكن بأية حال للدوائر السويدية أن تختلق قصصا كهذه أو تلفّقها ضد اللاجئين ولا مصلحة لها في ذلك، فهي موجودة وشائعة في أوساط القادمين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وناتجة بالعموم عن خلفيتهم الثقافية التي تعدُّ تعنيف الطفل أمرا يساعد على تربيته بشكل أفضل. وممارسة العنف ضد الأطفال من أهاليهم غير مجرّم قانونيا أو اجتماعيا في معظم دول الشرق الأوسط، بل إنه لم يجرّم في السويد نفسها إلا عام 1979!.
ونتيجة هذه الثقافة، فإن نسبة ممارسة العنف ضد الأطفال مرتفعة في العائلات السويدية من أصول شرق أوسطية، ومرتفعة أكثر في أوساط اللاجئين حديثا إلى السويد؛ إذ لم يتكيفوا بعد مع القوانين السويدية.
وسترتفع حالات انتزاع الأطفال من ذويهم فيما لو طُبق قانون حقوق الطفل السويدي والقوانين ذات الصلة بصرامة على اللاجئين، ولم تعطهم الدوائر السويدية أسبابا مخففة بسبب الخلفية الثقافية للقادمين، كما تفعل في كثير من الأحيان!
لكن هناك أيضا نسبة من السويديين الأصليين تعنّف أطفالها وهؤلاء ربما أكثر خطرا؛ لأن عنفهم يأتي في العموم على خلفية إدمان الكحول أو المخدرات، ويستحق هؤلاء أيضا أن يُنتزَع أطفالهم منهم، وهذا يحدث أيضا، لكنه يحدث وفق معالجة مختلفة!
فلا يمكن أن ترى مشهد الشرطة وهي تسلك السلوك العنفي الذي ظهر في الفيديو مع عائلة سويدية، ولن تجد صور العائلة في وسائل الإعلام صباحا ومساء، ولن تصبح قضيتهم حديث الإعلام ووسائل التواصل.
إذًا، هذه النسبة مخفية، ويتم التركيز الإعلامي فقط على اللاجئين، ويعاملون بطريقة مختلفة عن معاملة العائلة السويدية في الظروف نفسها؛ إذ يتم الحرص على إخفاء هذه القضايا وجعلها خاصة باللاجئين، وهذا أقل ما يقال فيه إنه سلوك تمييزي واضح، من أجهزة دولة ووسائل إعلامها.
اتهمت وزيرة خارجيتها ذات مرة السعودية بأنها تستخدم أساليب من القرون الوسطى، ورغم شبهة النفاق فإني أستطيع القول للسيدة الوزيرة: إني عشت أكثر من عقد ونيف في السعودية ولم أر الشرطة السعودية تمارس هذا السلوك.
وإذ يقتصر دور الشرطة في حالات كهذه على مرافقة موظفي السوسيال لتنفيذ قرار قانوني بانتزاع الأطفال، فإن سلوكهم العنفي ضد الأب والأم، والذي خفّت لهجته عندما أدركوا أن هناك تصويرا، والذي لا يمكن بالأساس اعتباره عنفا مبالغا فيه، ليس الاستثناء، بل يشكل القاعدة في التعامل مع اللاجئين وقضاياهم في دولة تتنطع للدفاع عن الحريات في كل أركان المعمورة.
هذا لا يتعلق فقط بقضايا انتزاع الأطفال، بل حتى في قضايا بسيطة كطلب المعونة الاجتماعية، إذ يعامل اللاجئون من بعض موظفي السوسيال [ربما غالبيتهم] بشكل تمييزي لا يمكن إثباته، وذلك لخبرتهم ومعرفتهم بالقوانين، وجهل اللاجئ ليس فقط بالقوانين بل باللغة نفسها، فيتعاملون بشكل فج ووقح وخال من أي حس إنساني، كما ظهر في الفيديو، لكن بشكل بارد عموما. وهذا لا يحدث بالدرجة والطريقة كلتيهما مع السويديين الأصليين. وبالتالي لا نحتاج إلى محكمة ومعاهدة جنيف لحماية حقوق اللاجئين للقول إن هذا سلوك تميزي على أساس عرقي. أي أنه عنصري ضمن أجهزة الدولة.
هذا الأمر لا يقتصر على موظفي السوسيال، بل يتضمن بعض موظفي دوائر سويدية أخرى، إذ يُعطى موظفو الدوائر التي علاقتها الأساسية باللاجئين [دائرة الهجرة، مكتب العمل، الشؤون الاجتماعية] سلطات مطلقة تجعلهم يسلكون سلوك عناصر المخابرات في دولة ديكتاتورية إن أرادوا!، لكن بشكل ناعم وهادئ، ودون حاجة إلى اعتقال أو تعذيب أو عنف، بل مع ابتسامات فائضة تكفي لإغراق مخيم من اللاجئين.
ولأسباب ذاتية أخلاقية قد لا يمارس عموم الموظفين هذا السلوك البشع في استباحة حقوق لاجىء ضعيف، وتعقيد حياته في الوقت الذي يأخذون رواتبهم لمساعدته ربما.
ووفقا لاطلاعي على مسار الإجراءات في الدوائر التي مر ذكرها، وبناءً على السلطة المطلقة التي أعطاها القانون للموظفين في تلك الدوائر بشكل عملي، رغم التقييد النظري الذي يمكن تجاوزه بسهولة، ورغم وجود نظري لآليات الشكوى، فإن اللاجئ يقع فريسة سهلة لأي موظف عنصري، إذ لا تقدم له أي مساعدة قانونية في حالات كهذه!
ومن تجربة شخصية، لم يحدث أن صدر قرار لصالحي في شكاوى إدارية عدة قدمتها ضد موظفين سويديين، رغم تقديمي في بعض الأحيان أدلة تقنية، أي أنها غير قابلة للدحض، ليس على تجاوز القانون بل على انتهاكه وعلى تزوير الوقائع والوثائق أيضا! ورغم ذلك، فمن الإنصاف القول إن هناك موظفين يحاولون بشتى الطرق مساعدة اللاجئين حتى لو تجاوزوا التطبيق الحرفي للقانون!
إن كتلة الموظفين حسني النية تجهل الخلفية الثقافية التي قدم منها اللاجئون، وهذا ما يجعل الاعتباط سيد الموقف عند معالجة قضاياهم. أما الموظفون العنصريون وأشباههم فهم يسلكون بشكل مجازي وخفي سلوك عناصر المخابرات في دولة ديكتاتورية بصوت هادئ ووجه باسم، إذ يطبقون إجراءات شكلية تبدو ملتزمة حرفيا بالقانون، لكنها قد تخفي في كثير من الأحيان ممارسات ممنهجة تتوائم مع القانون شكلا وتنتهكه مضمونا، وذلك بقصد التلاعب الممنهج بمصير اللاجئين وحقوقهم.
ومن النادر أن يثير لاجئ قضية ضد موظف سويدي حتى لو كانت واضحة المعالم والأركان، نتيجة لا جدوى أي قضية يكون طرفها الأول لاجئا والطرف الآخر سويديا! إذ يمكن وصف مجتمع الموظفين السويديين بأنه متكافل بقوة اتجاه أي قضية طرفها لاجىء، ويتم التنكيل به من الجميع جراء ذلك بشكل سافر.
هناك موظفون سويديو الأصل والنشأة، يقومون بكل الأعمال المخالفة للقانون ضد اللاجئين، بما فيها التزوير والكذب وإخفاء المستندات، واللعب بمسألة الصياغات اللغوية التي لا يجيدها اللاجئ، أو لا يجيدها بشكل يؤهله لاكتشاف هذا التلاعب.
وهكذا يستطيع الموظفون السويديون تعقيد حياتك -عزيزي اللاجئ- دون استخدام العنف حتى اللفظي منه؛ إذ يمكنهم أن يقرروا كل شيء في مصيرك وحياتك ووجودك في هذا البلد، دون أن تكون لديك القدرة الفعلية للدفاع عن نفسك كشخص ضعيف في بلد جديد لا تجيد لغته ولا قوانينه. هذا ما يمنح الموظفين القدرة على تدمير حياة آلاف البشر كما تفعل المخابرات في شرقنا المنكوب تماما لكن دون عنف.
ولتدرك عزيزي القارئ العربي المعجب بجنة السويد الديمقراطية شيئا بسيطا عن أدوات التخويف الناعمة في التعامل مع اللاجئين، فقد يؤخر مقال كهذا حصولي على الجنسية السويدية للأبد تحت حجج ودعاوى «قانونية» كثيرة، ليس منها أني انتقدت النظام السويدي في تعامله مع اللاجئين. كما أني لن أجد وسيلة إعلام سويدية تنشره بالعربي، أو فحواه باللغة السويدية! فقد سبق لراديو السويد بالعربي أن رفض بث مقابلة معي، لأني رفضت ممارسة الرقابة عليها وتقطيعها، والتي كانت مخصصة أصلا لنقد تعامل النظام السويدي مع اللاجئين المشتغلين بالثقافة!.