اعتبر الروائي والناقد المغربي، محمد برادة، الفائز بجائزة «كتارا» للرواية العربية 2014، أنّ «الجوائز لا تصنع كاتبا، ولكنها تعطي فرصا تساعد على الكتابة والإبداع».

وفي مقابلة مع الأناضول، قال برادة إن «ما تفعله الجوائز هو أنها تكافئ كاتبا» تَحمَّل المشاق وضحى بوقته وأنتج إنتاجا ما؛ حيث تعطيه فرصة ليقدم إنتاجا في ظروف ملائمة.

وأضاف «نعلم أن الكتابة تتطلب وقتا، غير أن الأدب لا يمكنه أن يكون مصدر رزق، مع أننا أكثر من 600 مليون نسمة في الفضاء العربي».

وتابع أن «الكاتب العربي غير متفرغ، وتجده إما موظفا أو أستاذا، وفضل الجوائز هو مساعدته على التفرغ للإنتاج في ظروف أحسن، ولذلك يجب أن توجه الجوائز أكثر إلى الشباب الذين هم في بداية حياتهم».


الأدب بوقا للإيديولوجيا

في معرض رده عن سؤال عما إن كان رجوعه إلى التاريخ الحديث في روايته «موت مختلف» كان بدافع عدم وجود أحداث قادرة على إلهامه، لفت أن «الآلام المعاصرة موجودة في الرواية، وقد سميتها بالجو الكابوسي».

وتابع: «لكني وضعتها في سياق أعم، وهو أن الكوابيس أصبحت قدرا لهذه الحضارة، سواء في أوروبا المتقدمة أو في الأقطار الأخرى».

وأوضح أن «تجربة منير الدبوبوي (الشخصية الرئيسية في الرواية) الذي انطلق من بلدة صغيرة شبه مجهولة نحو أوروبا، كان يعتقد مثل كثيرين من صفوة العالم العربي أن المبادئ الإنسانية الكونية المنبثقة عن الثورة الفرنسية، مثل حقوق المواطنة وحرية الاعتقاد وغيرهما؛ هي التي ستنقذ البشرية من صراعاتها». غير أن التجربة أظهرت أن «هذه المبادئ نفسها أصبحت موضع تساؤل».

وردا على سؤال حول إن كان الأديب يعمل في إطار مشروع أدبي معيّن، قال برادة: «في الحقيقة لا أتحمس لكلمة مشروع، لأنه لا يمكن إدخال الكتابة الأدبية والإبداع ضمن تخطيط مسبق».

وبالنسبة له، فإنه «لا مناص من تفاعل الكتابة والأدب مع السياق الخارجي الذي قد يكون هو التاريخ أو المجتمع، وأن يتفاعل في الآن نفسه مع التجربة الحياتية للكاتب». تفاعل يرى برادة أنه نابع من حقيقة أن أساس الأدب هو جعل المشاعر والأفكار والتجارب النفسية المختلفة تولد انفعالات وتثير انتباها عند القراء، ولذلك، إن كان لابدّ من مشروع، فهو أن يكون الأدب متفاعلا وليس جزيرة منعزلة.

وشدد أنه «لا ينبغي على الأدب أن يكون بوقا للإيديولوجيا أو للدين أو للأحزاب، لأن له خصوصية تميزه عن باقي الخطابات التي تؤثر وتؤطر المجتمعات، وهذه الخصوصية هي خصوصية جمالية، أي أنه ينقلنا من واقع ضيق محدود إلى عالم التخيّل». وبالطريقة التي ذكرها، لفت الكاتب المغربي أن الأدب يكون «مشروعا مفتوحا على الحياة، لكن بشرط ألا يتحوّل السرد أو الشعر إلى مجرد أصداء تكرر الخطاب السائد في السياسة أو المجتمع، بل أن تكون هناك إضافة في الرؤية وفي الإيحاءات والتأملات ليكون الأدب أداة للمتعة والتفكير والتأمل».


مقاومة اليأس بالكتابة

وعن جدوى الكتابة في مجتمع لا يقرأ كثيرا، قال برادة: «هذه الإشكالية مطروحة فعلا في واقعنا، لكن على الكاتب أن يقاوم، وهنا أتحدث عن نفسي، لأنه ليس له من طريقة أخرى سوى اللجوء إلى الكتابة».

وأضاف: «ولدت قبل الاستقلال (1939/ المغرب حصل على استقلاله عن فرنسا في 1956)، وخلال تكويني، كنت مؤمنا بأن الكتابة يمكن أن تؤثر وتساعد على بلورة بعض القيم في المجتمع».

وتابع: «عملت في مجال التعليم بالجامعة، ولقد كان هناك جيل يتفاعل، وعندما كنا نكتب في الستينات، كان الجمهور يقرأ أكثر ويتلقى أكثر، وكل من كتب من جيلي كان يجد نوعا من الصدى».

لكن المعضلة المطروحة اليوم، وفق الأديب، هو أن الكثير من الشباب الموهوب في الكتابة، لا يجد اليوم الصدى الذي تستحقه كتاباته، لأن «الناس لم تعد تقرأ كما كانت من قبل، ولأن مستوى التعليم تدنى، مما أنتج أجيالا غير شغوفة بالقراءة». ورغم ذلك، اعتبر برّادة أنّ الكتابة تظل بالنسبة للكاتب «بمثابة ملجأ، فأنا ألجأ إلى الكتابة لكي لا أموت من اليأس، وفي روايتي الأخيرة، هناك أفق ضيق وقيم أضحت مهتزة، وهناك إرهاب أعمى يهدد كل شيء، ولذلك أنا أصفق عندما أجد كاتبا شابا عربيا يبدع، ويحاول مقاومة هذا اليأس بخلق عالم آخر مغاير تماما».