«أولست أنا امرأة»، هذه كانت بداية أحد أهم الخطابات في التاريخ النسوي الأميركي المتعلق بذوات البشرة السوداء، لصاحبته «سورجورنر تروث»، وكان يراد منه إبداء الامتعاض من التشكيك بأنوثة وجمال المرأة السوداء مقابل المرأة البيضاء.
وكانت أهداف الخطابات النسوية في القرنين الثامن والتاسع عشر تتضمن المطالبة بمساواة المرأة بالرجل عموما، ومساواة المرأة السوداء بالبيضاء تحديدا، عندما يتعلق الأمر بالانتقاصات المعنوية واللفظية التي شوهدت آنذاك، والمستمر بعضها حتى هذا اليوم ليس في أميركا فحسب، بل في كل الدول بما فيها تلك التي يغلب على مواطنيها اللون الداكن.
وإلى جانب أهمية خطاب «سورجورنر تروث»، وأهمية مساعيه الداعية إلى تغيير الطريقة التي يتم النظر فيها ثقافيا واجتماعيا للمرأة السوداء، فإن أسباباً أخرى منحته هذه الشهرة والنجاح لدى الغرب، مثل استحضارها لتجارب شخصية مرت بها، وخواطر التعنيف اللفظي والنفسي قبل الجسدي، والسبب فقط هو كونها بلون بشرة مختلف. هذه الناشطة كانت بمثابة طوق نجاة لبنات عرقها، أعادت لهن شيئا من ثقتهن المسلوبة، وكشفت لهن حقيقة التنميط الثقافي الذي يحيط بهن، ويعايشنه منذ الصغر، في وقت كانت فيه كل كلمات الثناء الجمالي والأنثوي تتوجه للنساء البيض، وذلك بالتزامن مع مطلع ثورة حقوق المرأة في العالم الغربي.
اليوم، في هذا الفضاء الرقمي، وعبر قنوات التواصل الاجتماعي المتاحة لكافة أفراد مجتمعنا، كثيرا ما تتكرر إساءات مشابهة ضد المرأة السوداء كالتي فندتها «سورجورنر تروث»، وعلى سبيل المثال فقد تم تداول صور لرجل أبيض إلى جانب زوجته السوداء، ووصف المشهد بعبارات انتقاصية عديدة، معظمها تشير إلى عنصرية عرقية لونية وتشكيك بذائقة الزوج الجمالية، أو بالأحرى التشكيك بجمال زوجته.
وهذه النظرة إلى جانب أنها تكشف ضيق أفق أصحابها، فهي تشير للحاجة الماسة إلى تكثيف العمل على التوعية وإصلاح الصورة المغلوطة والمأخوذة عن المرأة السوداء، وتمثيلها بالشكل الذي يليق بها. في تقرير حديث عن ظهور السوداوات في عروض الأزياء وأغلفة المجلات نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية، قيل فيه على لسان صاحبات هذه القضية: «ليس صحيحاً أن خلفية مجلة عليها امرأة سوداء لن تجعلها تحقق أرباحا، فالإعلامي أو صاحب المجلة قادر على تغيير تلك الفكرة الثقافية المغلوطة»، كما تم ذكر الربح السريع الذي حققته ماركة مساحيق التجميل «فينتي»، والتي استهدفت في منتجاتها ذوات البشرة السوداء كمثال يفنّد تلك الحجة الربحية القديمة ضد ذوات البشرة السوداء.
وهذه الإشارة مهمة، حيث إن كثيرا من الناس يعولون على الأفراد في تغيير الصورة النمطية عنهم، بينما في قضية كهذه، للمحرر والمسوّق والمعلن والإعلامي وصاحب المحتوى الدور الأكبر. وهذا بالطبع لا يقلل من قيمة جهود الأفراد الممتازة في تغيير النظرة الخاطئة عنهم، ولعل أحد الأمثلة السعودية التي تعمل بمعايير عالمية لتغيير نظرة المجتمع السلبية للمرأة السوداء من ناحية جمالية هي المدوّنة «عبير سندر»، والتي تبذل جهدا مهنيا مميزا نحو مسيرة تحسين تمثيل المحتوى الإعلامي لبنات لونها. مثل هذه الطاقات تستحق مساحات أوسع، وظهورا أكثر كثافةً، ويأتي هنا دور منصاتنا الإعلامية في الدعم لإثبات التعددية والتنوع، وتسريع تصحيح الأفكار الثقافية السلبية، والمغلوطة، المأخوذة عن بعض الأعراق، وتحديدا عن ذوات البشرة الداكنة من النساء.