متعب الزبيلي



تعمد عدم الفهم، أو أن يكون الفهم طبيعيا إلا أنه قاصر ونتاج اجتهاد خاطئ، هو حالة يمكن أن نواجهها من قبل شخص أو مجموعة أشخاص، فكثيرون يسلكون عمداً عدم الفهم، وآخرون نكتشفهم من خلال شيء من عوامل مقرونة بهم، بأنهم في حالة توقف عن فهم المزيد، وطالما الأمر بحدود الأشخاص فهو يمكن تقبله، إلا أنه لن يكون مقبولا بتاتاً أن يتم التعامل في الحالتين، تعمد عدم الفهم، أو أن يكون الفهم الخاطئ متصدراً قرارات الحكومات والدول، وذلك كون الدول لا بد أن تعتمد على مستشارين ورجال سياسة وعقول، لديها ما لديها من إلمام بالشؤون الدولية والجوانب السياسية.

 ومن هذا المنطلق من غير المقبول بتاتاً أن نجد دولة تتعامل من خلال قراراتها وتعاملها مع دول أخرى من حيث تعمد عدم الفهم، أو أن يكون المفهوم العام الذي تنتهجه مبنيا على الخطأ، وبالمقابل يخيم الصمت على الجميع، وكأن سكان تلك الدولة هم في مستوى موحد من حيث فهمهم المجريات، وأنه ليس مقبولا استمرار الحكومة القطرية من خلال إعلامها بأنها تسلك سياسة الابتعاد عن اللب، وتعمل بمبدأ الإتيان بجوانب لا صلة لها في أساس الخلاف ما بين دول المقاطعة وبينها، ويجب أن تعي الحكومة القطرية أن الحلول لن تأتي من خلال اصطناع الهمم، إذ كل همة مصطنعة هي سرعان ما تتلاشى حين تفقد سبب إيقادها، وأن التلاعب بالمصطلحات سيبقى محسوباً على حكومة قطر، وسيتبرأ المؤيدون والمتفقون اليوم مع قطر، من اتفاقهم حول تلفيق المصطلحات، ابتداء من وصف قطع العلاقات بأنه حصار، ويبقى ما يعنيه قطع العلاقات مفهوماً عالميا، يعرفه الجميع وبكل اختصار بأنه الامتناع عن التعامل مع الآخرين، ويجب أن تدرك الحكومة القطرية أنه لا توافق ما بين تنقلات المسؤولين بالدولة لشتى بلدان العالم، والذي تتناقله وسائل إعلامها وبين مفهوم الحصار.

 لقد حان الوقت لأن تُسارع الحكومة القطرية في أن تسلك الطريق الصحيح، وأن تعي أنها حين ترفض المساس بسيادتها فهذا جانب يتفق الجميع بأنه حق مشروع لقطر، وأي دولة في العالم لا تقبل المساس بسيادتها، فهل سيادة قطر باتت مفهوماً قطريا، وسيادة الدول الأخرى مجرد مصطلح لا تعترف به الحكومة القطرية، يجب أن يتم فهم المصطلحات وفق مصالحنا ومقتضى حاجتنا، إذ ليس من الصواب أن تكافح قطر وتبذل قصارى جهدها على أن تنمي اقتصادها، ويقابل هذا أنها تجتهد وتحاول إبرام الاتفاقيات الاقتصادية مع دول خارج محيطها، وتهدف باتفاقها لإضعاف اقتصاديات دول من المفترض أن تكون عمقاً استراتيجيا لقطر، وأنه مهما صفق وأيد وبارك أصحاب الفكر المرتبط بمنهجية مذهبية تسير وفق منظور ورؤية «الفقيه»، والذي لن يعدل بل ولا يمكنه النظر لقطر بعين مغايرة لنظرته تجاه البحرين.

 إن التعاون والوقوف صفاً واحدا بوجه أعدائنا بات ضرورة حتمية، وذلك بكافة الأوجه، ويجب ألا نجعل منا ملجأً لأصحاب الأفكار المسمومة، تلك التي تضمر الشر للجميع، وأن نعي أن عدونا هو نفسه، وابتسامته ليست إلا ارتباطا لجني المزيد من الأموال، أما إخلاصه والوفاء هما فقط لمن يسعون لدمار بلداننا دون استثناء، إن أعمق نقطة تنمي اتساع الخلاف، هي حين ندع المشكلة الأساس جانباً، ونعمل بمبدأ الادعاء وإعطاء أحداث ومجريات أكبر من حجمها، إضافة لكونها أحداثا عادية، وتجري بكافة بلدان العالم، إلا أن الاهتمام بها هو نوع من إحلال جوانب ثانوية والابتعاد عن أساس الخلاف، وكان من باب أولى أن نعالج إشكاليات بمحيطنا القريب منا والمعاش.