مثل أكداس البطيخ المطروحة في صناديق السيارات ونصادفها مرصوصة أمام المساجد أو في الطرق السريعة والجانبية في كثرة توحي بمنطق اقتصادي عجيب حيث غزارة المعروض ورخصه مع اشتداد الطلب لترطيب وتبريد أيام الصيف الحارة؛ أتصوّر هؤلاء الخبراء الذين يحفّون مساءاتنا ونهاراتنا على قارعة نشرات الأخبار وعلى مصاطب البرامج في شتّى أطيافها من الموضة والقصّات المودرن إلى السياسة والاقتصاد ومرورا بالرياضة وحفلات الزار الفضائية..
ما تتخيّل وما لا تتخيّله من ألوان البث الإذاعي والتلفزيوني حيث لا يزين الموضوع ولا يحلو إلا باستقدام الخبير؛ آكلاً شارباً ومتأبّطاً حقيبة التنظير مما تجود به أوراق الخبرة اللامعة الممهورة باللقب الرنان والموقع المرموق تغضّ معه الطرف وتتقبّل الآراء والأحكام والتوقعات. وما أكثر ما تخيب!!
لكننا لا نتوقف لنعرف ولنقيّم، فنحن في عصر السرعة وكثرة الكلام تنسي بعضها بعضاً، والأحداث لا تتوقف والتعليقات مثلها.. والمشاهد المستمع ليس أمامه إلا أن يبحلق وأن يفتح أذنيه على آخرهما يرتشف قطرات الخبرة المتدافعة من كل صوب؛ تعطيه اليقين والقول الفصل..
وكيف تريد أن تتوقف أو تجسر على عدم غض الطرف، والخبير إياه تراه محجوزا لأكثر من قناة وفي أوقاتٍ متقاربة؛ يشارك مرة بالظهور ومرة عن طريق الهاتف ومرات ومرات في الأستوديو؛ من الجزيرة إلى العربية إلى الحرة إلى الإخبارية إلى دبي إلى أبو ظبي إلى العالم (وإذا طاحت السوق ففي المستقلة!!).. خاصة عندما تسخن الأحداث ويتعوّذ أصحاب المحطة من حدثٍ ليس له مثل الخبير فلان. يقرأ السطور وما بينها وما تحتها وما في بطنها ويستقرئ الحدث ويضعه في سياقه الصغير وفي سياقه العربي والعالمي..
"حوسة" كبيرة لا ينجح في عبورها إلا خبيرنا المبجّل المدجّج بالأرقام والإحصائيات ودراسات بيوت الخبرة وبحوثها في العواصم ومراكز صنع القرار. حتى لو كانت الأرقام مدسوسة رمى بها أحد الهواة في ملاعب الإنترنت على سبيل اللهو والدجل وتأجيج طرف ضد آخر، أو كانت الدراسة مكتوبة تحت ضغوط الهوى والأمنيات والعدائية والتعصب!!
دارتْ رؤوسنا من كؤوس الخبرة الطافحة التي توالي الفضائيات والإذاعات في تكريعنا إياها!! نتجشأ خبرةً ونمسح أفواهنا حامدين شاكرين على أنها الكأس الأخيرة، لكن زجاجة الساقي الخبير لا تفرغ أبدا.
ـ معنا على الخط، الخبير في الإرهاب الدولي فلان!!
ـ حيّ الله الخبير!!