لعل ما يثير الدهشة حقا، أن يكون المعلم وحده هو الذي يحمل على عاتقه المسؤولية التعليمية في خطاب قادة التعليم عند كل مناسبة، وفي كل وقت ومكان.

شمّاعة جاهزة لتعليق إخفاقات التعليم، أما عند الحديث عن نجاحات ما، فالعبرة تكون آنئذ للخطط التعليمية والمناهج الجديدة والقيادات نفسها!

«صحيح» أن المعلم هو حجر الزاوية في المكون التعليمي، لكن ثمة أطرافا أخرى يحسب لها أو عليها كذلك إخفاقات التعليم: «القائد التربوي ووكلاؤه، والمشرف التربوي، ومديرو مراكز الإشراف....»!

ولعلني أقارب في هذا النثار حال القادة التربويين «مديري المدارس»، وما يجب أن يضطلعوا به من أهداف وأعمال تسهم في نجاح الفعل التعليمي بعامته.

الحقيقة تفصح عن خلل بيّن في هذا العنصر التعليمي خلال العقدين الأخيرين من زمن التعليم في بلادنا، على اعتبار أن مديري الزمن الجميل كانوا على درجة مقنعة أو مميزة من امتلاك أبرز مقومات القائد الناجح، من خبرة ودراية ووعي ثقافي، وأهم صفات الشخصية القيادية، من ثقة بالنفس واتزان انفعالي وذكاء باهر في التعامل مع الأحداث الطارئة أو مع مكامن الخلل أيا كانت طبيعتها.

أزعم أن القائد التربوي هو العنصر الأكثر تأثيرا في نجاح أو إخفاق المشهد التعليمي داخل المدارس، فهو يقبع على رأس هرم ذلك المشهد، ومن الطبيعي أن بقية العناصر التعليمية تعمل بناء على توجيهاته ووعيه بأهداف التعلم الحقيقية.

أما الواقع، فيكشف عن قلةٍ من هؤلاء القادة الآن الذين يتمتعون حقا بمواصفات القيادة أولا، والقيادة التربوية «على وجه الخصوص» ثانيا، لأن ثمة شواهد يجب أن تتوافر في فكر وفعل وشخصية ذلك القائد، ولعلني أقارب أهم تلك الشواهد على النحو الآتي:

 (1)

يجدر بقائد المدرسة أن يكون على قدر مقنع من الوعي الثقافي، لأن ذلك الوعي بمثابة الأرض الراسخة التي يتحرك فوقها ذلك القائد بثقة وإبهار.

امتلاك الوعي الثقافي يجعل قائد المشهد يعيش اللحظة الحضارية بكل زخمها، فيظل يهجس بالعلاقة الجدلية بين عمله التعليمي والحضارة الغائبة التي يجب أن تعود، حنينا لأيام بغداد ودمشق وقرطبة وغرناطة ووو..!

كثير من قادة المدارس يفتقدون حقيقةً ذلك الوعي، لانقطاعهم عن القراءة ومتابعة المستجدات، الأمر الذي جعل بعضهم ينسى حتى الكتابة الإملائية الصحيحة لخطاب أو محضر أو «تعميم داخلي»!

كما أن منهم من لا يعرف حكاية «معارض الكتب» مثلا، والتي تقام بين الحين والآخر، فيظن أنها على غرار معارض اللوحات التشكيلية!

هل تظنون أننا ننتظر من مؤسسة تعليمية بذلك الفكر القيادي أنها ستؤدي أعمالها وتحقق غاياتها على أقل درجة ممكنة التحقق؟!

 (2)

القائد الناجح هو الذي يمتلك المهارات الداعمة للتواصل مع المرؤوسين بلباقة وحكمة وذكاء. فتجد بعضهم يظن مشاركة زملائه في أحزانهم وأفراحهم انتقاصا من مكانته المتخيلة. أتذكر أن معلما قال لي مستعجبا من قائده التربوي: إنه أرسل إليه يخبره بوفاة والده، ويعتذر منه ضمنا عن عدم الحضور، فكان رد القائد: «معليش، لا مشكلة» فقط..!

كيف يمكن لقائد بتلك «الغشامة» التواصلية الاجتماعية أن يقود مؤسسة هي في الأساس إحدى مؤسسات «المجتمع» ذاته؟!

 (3)

ثمة قادة -أيضا- ليست لديهم منهجية فاعلة في التعامل مع بعض جوانب القصور لدى المعلمين، للدرجة التي لا يتورع بعضهم عن محاولة إحراج المقصر بفضحه أمام زملائه مباشرة، كأن يكتب تقريرا لعدد المخالفات، ويقوم بنشره في أية وسيلة اتصال بينه وبين منسوبي المدرسة، ولا شك أن أبرز معطيات علم النفس وضوحا، تحذر بشدة من ذلك الإجراء «ابتداء من فضح الابن أمام إخوانه» لأن ذلك يفضي بالمعاقب إلى أن يصر على مخالفته تماما، بعد أن يكون قد اكتسب روحا عدائية معاندة تجاه قائده.

أولى خطوات التعامل الأمثل بالطبع لجوانب الخلل، تكمن في اللقاءات الثنائية المغلقة «بين القائد والمعلم»، بحيث يتسنى للقائد أن يتعرف على الأسباب المفضية إلى هذا الخلل أو ذلك في أداء المعلم، ثم يشعره بتقديره تلك الأسباب، ورغبته الحقيقية في مساعدته على تجاوزها. عندئذ لا يكون أمام المعلم إلا الاستماتة في تخطي كل المعوقات لرد التقدير والمعروف للقائد الذي بدأ معه الأمر من البداية المثلى، وليس من النهاية الارتجالية الخاطئة!

 (4)

يبدو أن الموضوع يحتاج إلى مقاربة أخرى، الأسبوع القادم يتضمن كثيرا من أسرار ومفاجآت التجربة الشخصية!.