حسب أكاديمية دبي للمستقبل وضمن أعمال حكومة دبي فقد أطلقت الأكاديمية في أواخر عام 2017 تقرير (استشراف المستقبل)، ويسلط هذا التقرير الحيوي والمهم الضوء على مستقبلنا في مختلف المجالات، وكيف يساعدنا ذلك على تخطيط أفضل للحاضر، وعلى التفكير بالواقع من خلال رؤية تغيراته التي تحدث لنا في كل يوم، وهو ما يحتم علينا أن نفكر بهذه العقلية بعيدا عن عقلية الثبات التي يرتاح لها أغلب البشر. كما أن قراءة هذا التقرير قد تفسر للبحث الشكل المتوقع لمدينة «نيوم» السعودية، وقد نقترب أكثر من فهم المثال الذي ضربه الأمير محمد بن سلمان في المقارنة بين هاتف نوكيا القديم وهاتف آيفون الحديث.
تناول التقرير مجالات الصحة والتعليم والمياه والنقل والتكنولوجيا والفضاء، أما المستقبل الزمني فقد كان بين عام 2020 وحتى 2059، وعند قراءة التقرير فسوف نكتشف أن التغيير المتسارع المستمر في الحدوث لم يتكرر في أي زمن مضى للبشرية وفي مدة لا تزيد على نحو 39 عاما، ولو قمنا برواية ما سيحدث للكثير من عامة الناس لما تمكنوا من الاستيعاب والتصديق.
مستقبل الطاقة لعام 2053 سوف يصل بنا بحسب التقرير إلى «امتلاك القدرة على إرسال الطاقة الكهربائية بالسهولة ذاتها التي نستطيع بها إرسال البيانات، وبالتالي فكل جهاز يمكن إمداده بالطاقة الآتية من مصفوفة خلوية، وهذه يمكن أن يكون مصدرها طاقة وقع الأقدام. وربما تستخدم هذه الطاقة لشحن الهاتف الخلوي الخاص بشخص على الجهة الأخرى من الطريق، وهكذا فإن كل إنتاجنا للطاقة سيكون لا مركزيا تماما».
قبل هذا فمستقبل الطاقة في عام 2050 «سوف يحقق الاندماج النووي أخيرا، وستكون لدينا التكنولوجيا اللازمة لإيجاد واستدامة درجة الحرارة الفائقة المرتبطة بالاندماج النووي، وهو ما سيمد العالم بمصدر طاقة يكاد يكون بلا حدود».
أهم دافع لسرعة التغير الذي حدث خلال ثلاثة قرون كان الاكتشاف المستمر للطاقة بداية من الفحم ثم النفط ثم الكهرباء، بالتزامن مع اختراع الآلة البخارية ثم تطور الآلات، أما ما يحدث مستقبلا في الطاقة فسوف يزيد من تطور النقل وسرعة عمل الآلات وتحقيق إنجازات أسرع في بناء الشركات والمنازل، بل مدن بأكملها وفي أي مكان.
أما في الصحة فسوف نصل في عام 2057 إلى «زيادة كبيرة في مدى العمر وذلك بسبب زيادة العلاجات»، هذا إن لم يحدث تطور نوعي في التحكم بالجينات المسؤولة عن الشيخوخة، فحتى الأطباء قبل ذلك في عام 2054 «سوف يتحولون إلى شخصيات مجسدة وسيكون لديها مستشعرات ورقائق بحيث يمكن ارتداؤها طوال الوقت أو وضعها لتعزيز صحة الفرد وحمايته». هذا التطور في الصحة سيجعل حياة الإنسان أفضل وانقراضه أقل وقدرته على البقاء أرسخ.
أما على صعيد التعلم، وهو أكثر معايير التغيير خطورة، حيث إن الإنسان هو الذي يقود هذا التغيير، فسوف يصل بنا إلى «مستوى تحسين الأدمغة عبر الكيمياء، وتحويل الذكاء الاصطناعي إلى معلم واختفاء الامتحانات تقريبا في عام 2036، أما في عام 2059 فستكون هناك واجهة اتصال عصبية مباشرة مع المعلومات، وستكون هناك وصلة بين الدماغ وبين ويكبيديا مباشرة، وسيكون المحتوى التعليمي ذا علاقة بما حولنا، وسيصبح التعليم متمحورا أكثر على الفلسفة وفهمنا لمشاعرنا، لأن حفظ المعلومات سوف يصبح غير ضروري ولن نعود قبلها في عام 2050 بحاجة لتعلم القراءة والكتابة، وذلك بسبب واجهة الدماغ الحاسوبية».
لقد تغير العالم خلال العقد الآخر بعد ثورة الإنترنت وقنوات التواصل الاجتماعي بصورة غير مسبوقة، ولنتخيل ماذا سيحدث في المستقبل، وكيف يمكننا القضاء على الأمية والجهل، وهو ما سوف يسهم بدوره في المزيد من تطور الوعي والمدنية وغياب الدول الأيدلوجية ذات الشعارات الشعبوية، ليصبح الفرد غالبا أكثر فعالية وعلما ومشاركة ليس لدوافع شخصية ولكن بسبب حاجته للبقاء.
على صعيد مستقبل المياه، فهناك مخاطر «لأن يصبح البلاستيك في المحيطات أكثر من السمك، وذلك في عام 2050 بسبب رمي النفايات غير الصحيح»، ولكن الخبر الجيد هو أن «الصراع العالمي على المياه سوف ينتهي في نفس العام، وذلك بسبب تطور تقنيات تحلية المياه بتكلفة منخفضة»، والجدير بالذكر أن جامعة كاوست السعودية وغيرها من مؤسسات بحثية سعودية، تمضي قدما في هذا المجال الاستراتيجي، ولا تزال التجربة السعودية في تحلية المياه هي الأكبر عالميا.
أما على صعيد النقل «فأول نظام هايبرلوب للنقل السريع والذي يغير مفهوم القطارات فسوف يكون جاهزا في دبي عام 2020»، وهي مدة قريبة جدا، غير أن الأكثر إدهاشا هو «النقل الصاروخي من نقطة لأخرى في عام 2050 بعد أن يصبح كافة الناس في عام 2036 يملكون سيارات كهربائية ذاتية التحكم، بحيث إن من يقود سيارته بنفسه قد يكون مخالفا للتوجه العام». كما «أن الطرق قبل ذلك في عام 2035 سوف تصبح قابلة للاستبدال، بحيث إن مدننا سوف تصنع في مصانع»، وهناك مرحلة قريبة نسبيا سوف تحدث في عام 2028 وهي انتشار السيارات الطائرة في الأسواق بسعر تجاري، وهو ما قد يحدث أيضا قبل ذلك، حيث إن هذه التجربة نجحت حتى الآن بسعر غير تجاري.
أما على صعيد التكنولوجيا، فأهم التغيرات المدهشة التي ستحدث هو «التطور القريب في 2020 للطائرات دون طيار كي تؤدي مهام الجنود»، وهو ما يزيد عالميا من تراجع دور الجنود في الحروب. أما «تقنية الواقع المعزز والافتراضي فسوف تصل قيمتها السوقية في عام 2020 إلى 150 مليار دولار، وهي بداية لعام 2050 كي يصبح مستقلا عن الأنظمة الحاسوبية»، أما «إنترنت الأشياء فسوف يتحول في عام 2026 إلى صناعة بقيمة تريليونات الدولارات، مما سوف يزيد من تفاعل الناس بين بعضهم وبينهم وبين الجمادات» في عالم معقد تتحقق فيه عمليات التواصل والإنجاز بصورة سريعة.
أحد أكثر التقنيات تغييرا لحياة الإنسان في المستقبل هو «تطبيق نظام تحديد الهوية العالمي في عام 2030 بحيث يمكن للنظام أن يحدد هويتك ويسمح لك بإمكانية الوصول إلى النظام المالي العالمي»، وهذا التطور سوف يزيد من قوة أمن الدول المالية والأمنية وقطع أشواط غير عادية في محاربة الفساد المالي، وقد يكون هذا الربط بتفاهم دولي لا يتدخل في سيادة الدول، ولكنه أيضا قد يؤكد أن الأكثر تقدما هو الأكثر سيادة.
«في عام 2036 سوف يمتلك كل شخص روبوتا خاصا به، كما أنه وفي عام 2040 سوف ترتكب الروبوتات جرائم أكثر من البشر، كما سيلعب الذكاء الاصطناعي بعد عامين دور مجالس الإدارة التنفيذية للشركات الاستثمارية والخاصة. عام 2045 سوف تصبح قوة العمل العالمية ذاتية التحكم لتحل الروبوتات محل 50% من القوى العاملة». ورغم مخاطر تهديد فرص عمل الإنسان إلا أن ذلك لن يمنع من تغيير طبيعة فرص العمل لترتفع حصة العمل التكنولوجي.
من التنبؤات المثيرة في التقرير هو «ظهور كائنات خارقة في عام 2048، وذلك بتلاشي الحدود بين البشر والروبوتات والذكاء الاصطناعي لتظهر أشكال حياتية أكبر، ولنصبح قادرين على تشكيل أنماط حياتية جمعية... لنصل إلى مرحلة نكون فيها أكثر اندماجا واتصالا بحسب أليكس لايتمان».
«في عام 2050 سوف تصبح المنازل الذكية هي المعيار السائد لتصبح الروبوتات هي التي تتولى عمليات الطبخ والتنظيف مع تعديل مفروشاتنا نفسها تلقائيا لتناسب أشكال أجسادنا ودرجة حرارتها». وهو التطور الذي يحدث بالتزامن مع تقنيات مثل إنترنت الأشياء وتطور الذكاء الاصطناعي.
هذه التغيرات المتوقعة تؤكد أننا نقوم عالميا بتغيير شكل الحكومات، بحيث لن تصمد إلا الحكومات القائمة على الابتكار وبمشاركة القطاع الخاص، بل إننا بحاجة لمدن يبنيها رجال الأعمال كما هي مدينة «نيوم» السعودية، لكي نستطيع من خلالها صناعة عالمنا الجديد.