تسارعت ديناميات التغيير خلال السنوات القليلة الماضية، وتم التعبير عنها في شكل تغيير السلوك السياسي للقوى الإقليمية الفاعلة في الشرق الأوسط، وبالتالي تقدم أو تراجع نفوذها السياسي ودورها الإقليمي. وساد اعتقاد يفيد أن التغيير في نسخته الإيرانية لن يكون عميقا وراديكاليا وسيكون تحت السيطرة. وعمليا لم يتجاوز التغيير في إيران حدود الاستحقاق الرئاسي. لكن ثمة مؤشرات تفيد بأن إيران تخشى اضطرابات داخلية، خاصة بعد إجراء أكراد العراق استفتاء على استقلال إقليم كردستان، تتزامن مع سيناريوهات لتفتت إيران لدواع داخلية أو لتقسيمها وفقا لمخططات خارجية.
ولا يمكن وضع تلك السيناريوهات في منزلة التكهنات أو اعتبارها ترفا أو خيالا سياسيا. فثمة شكوك حول بقاء إيران قوة إقليمية متماسكة، صدرت قوتها عبر دعم ميليشيات شيعية في لبنان والعراق وسورية واليمن، وطبقت استراتيجية حروب بالوكالة.
وتتغذى هذه الشكوك من اكتساب الأنباء المتداولة على مدى السنوات الثلاث المنصرمة، بشأن تردي الوضع الصحي للمرشد الأعلى علي خامنئي، زخما حقيقيا، وأيضا من تصريح المتحدث الرسمي باسم مجلس الخبراء «آية الله أحمد خاتمي» في مارس الماضي، مفاده أن المجلس قد شكَّل إحدى اللجان المكلَّفة باختيار المرشحين لخلافة خامنئي، وأن اللجنة قد حددت عشرة أسماء.
ومن أبرز الأسماء المتداولة لخلافة خامنئي يُذكر حسن الخميني، وهو حفيد الخميني، ومجتبى خامنئي ابن المرشد الأعلى الحالي، وصادق لاريجاني وهو الرئيس الحالي للسلطة القضائية، ومحمود هاشمي شهرودي، الرئيس السابق للسلطة القضائية، وإبراهيم رئيسي «رئيس العتبة الرضوية المقدسة»، وأحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 19 مايو الماضي.
ويعارض صادق لاريجاني تخفيف الأعراف الاجتماعية والدينية المتشدِّدة، وكذا تحرُّر النظام السياسي الإيراني، ويتبنى سياسة عدم التسامح مطلقا مع المعارضة، فضلا عن وجهة نظره المعادية تماما للغرب، والتي اتسقت مع معارضته للرئيس «حسن روحاني» على خلفية عقده الاتفاق النووي مع القوى الغربية في منتصف يوليو 2015. وقد فرض عقوبات صارمة على متظاهري الحركة الخضراء، ما أفضى إلى إدراجه على قائمة الاتحاد الأوروبي لمنتهكي حقوق الإنسان.
ويحظى لاريجاني بعلاقة وثيقة مع فيلق الحرس الثوري، وظهر ذلك بشكل جليّ في التعاون بين السلطة القضائية والذراع الاستخباراتي للحرس الثوري في استجواب واعتقال نشطاء الحركة الخضراء عام 2009. بيد أن العقبة الرئيسية التي تقف أمام خلافته لخامنئي هي تلك الاتهامات التي طالته هو وعائلته بالفساد واستغلال النفوذ منذ عام 2013.
وبزغ نجم إبراهيم رئيسي كأبرز خليفة لخامنئي منذ مارس من عام 2016، عندما عُيِّن رئيسا للعتبة الرضوية المقدسة، وهي منظمة خيرية ضخمة يسيطر عليها مكتب المرشد الأعلى. وكان رئيسي قد تدرَّج في المناصب القضائية، ففي أعقاب رئاسته الفريق الذي يُحاكِم الفساد في الكيانات المملوكة للدولة، عُيّن عام 2004 نائبا لرئيس السلطة القضائية، وانتُخب لمجلس الخبراء الإيراني عام 2006، وشغل منصب أمين اللجنة التي تشرف على المرشد الأعلى داخل المجلس.
ويذكر أن الرئيس الإيراني حسن روحاني عبر في مناسبات مختلفة عن خشيته من انهيار النظام في طهران على خلفية انقسامات داخلية، ومحاولة حكومته الحد من نفوذ الحرس الثوري من خلال الاعتقالات وتخفيض موازنته، من خلال قوله: «يجب ألا نعتقد أن التعرض لجزء من النظام السياسي سيعزز جزءا آخر، على العكس، فكل نظام الحكم سينهار عندها».
وتترافق نذر انهيار النظام الإيراني من الداخل بانطلاق دعوات جهات أميركية إلى حل المعضلة الإيرانية من خلال تغيير النظام الإيراني، واستخدام الأدوات الأخرى للسياسة الخارجية التي لا تنطوي على إراقة الدماء واستنزاف الأموال. فبعد وقت قصير من تنصيب الرئيس دونالد ترمب تقدمت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن بمذكرة إلى مجلس الأمن القومي مفادها أنه «يمكن فرض استراتيجية التحول الديمقراطي في إيران، لأنها تفتقر إلى التأييد الشعبي وترتكز على الخوف من أجل الحفاظ على السلطة». كما أشار وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى أن تغيير النظام السلمي هو أحد الخيارات السياسية التي ربما تلجأ إليها إدارة ترمب.
وتسعى الدعوات الرامية إلى تغيير نظام الحكم في إيران إلى معالجة أوجه قصور محاولات سابقة لمعالجة الملف الإيراني. وعلى سبيل المثال، يفترض أن الضربات الجوية ضد إيران ستقود إلى وقف الأنشطة النووية الإيرانية، ولكن ثمة إخفاق في تحديد استراتيجية واقعية تدعمها تلك العمليات العسكرية المقترحة، وتحول دون حدوث خسائر محتملة. ولذلك تعتقد جهات أميركية أن تغيير النظام هو السبيل الوحيد لمعالجة سوء سلوك إيران للأبد.
ويكشف تاريخ الولايات المتحدة الطويل في تغيير الأنظمة الحاكمة أن ثمة طريقتين تقريبا أمام واشنطن لمحاولة إنـجاز هذا الهدف في إيران: أولاهما دعم فصيل لديه علاقات ودية مع الولايات المتحدة، وثانيهما غزو البلاد واستبدال مؤسساتها.
ومن الناحية النظرية، هناك ثلاث جهات في إيران مرشحة للحصول على دعم الولايات المتحدة، بحسب الباحثين، وهي: منظمة مجاهدي الشعب أو مجاهدي خلق؛ والحركة الخضراء التي برزت خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2009 احتجاجا على التزوير لإعادة انتخاب الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجادي. ومحمد رضا بهلوي، ولي عهد شاه إيران السابق، المقيم حاليا في الولايات المتحدة، والذي طلب من الرئيس ترمب التعامل مع القوى العلمانية والديمقراطية في إيران. ونظرا لغياب شخصية بارزة معارضة إيرانية يمكن دعمها من قبل الولايات المتحدة، يصبح الخيار الوحيد أمام واشنطن لتغيير النظام في إيران هو استخدام الوسائل العسكرية وإنشاء نظام جديد مع إجراء إصلاح مؤسسي وترسيخ مؤسسات قوية بدعم شعبي حتى يكون انتقال القيادة مستداما. ولكن هذه المهمة سوف تستغرق وقتا طويلا وموارد كبيرة في بيئة معقدة جدا على غرار العراق وأفغانستان، فضلا عن أن ثمة خيارا عسكريا آخر مطروح للتعامل مع النظام الكوري الشمالي.
ولا يمكن الجزم في توقيت وشكل التغيير في نسخته الإيرانية، لكن متطلباته وضروراته الداخلية والخارجية متوافرة، فمنذ 38 عاما وتحت سقف شعار تصدير الثورة عانى الشعب الإيراني ويلات وكلفة ثماني سنوات من الحرب مع العراق، ومن تبعات وتداعيات سياسة «الاحتواء المزدوج» الأميركية. ووهم فائض القوة الإيرانية وتمددها عبر أدواتها في لبنان والعراق واليمن وسورية سيطيل أمد تلك المعاناة على كافة المستويات.