بدأ الغرب بالنظر إلى الإعلام الشعبي مثل المسلسلات والأغاني بعين ناقدة، وتحليلها بشكل علمي، وطرحها للجدل منذ مئة عام تقريبا، وذلك لما لها من ارتباط بأخلاقيات المجتمع، وقيمه، ونمط حياته. فعلى سبيل المثال، باحثو مدرسة فرانكفورت في أميركا وعلى رأسهم «ثيودور أدورنو»، و«ماكس هورخيمير»، إلى جانب باحثي مدرسة برمنجهام للدراسات الثقافية المعاصرة في بريطانيا، وعلى رأسهم «ستيوارت هل»، و«رايموند ويليامز» حللوا منتجات الإعلام الغربي الشعبية، ووجدوا فيها ما فيها من سلعنة للأفكار، وتسويق لأساليب الحياة، وتنميطات عنصرية وأحيانا، كما سنحلل في هذه المقالة، تعزيز لممارسات مجتمعية خاطئة. وهؤلاء الباحثون بلا شك كانوا المؤسسين والملهمين لمسيرة تحسين محتوى الإعلام الغربي، وتقليل أخطائه، وجعله بالصورة الجيدة التي نشاهده فيها اليوم.
المسلسلات الخليجية المعاصرة في المقابل، رغم أن معظمها تحتوي على أخطاء مهنية، وفنية، وفلسفية، ورغم تدّني معاييرها، وفائض كميتها، فهي لا تحظى حسب علمي بالكثير من النقد الأكاديمي والتوجيه. وإذا أخذنا على سبيل المثال، لا الحصر، مسلسل «النور» للمخرج جمعان الرويعي، والمعروض حالياً على عدة قنوات خليجية، يمكننا رصد على الأقل عشرة أخطاء فظيعة فيه، تتعلق بتعزيز أفكار رجعية، وتنميطات مغلوطة، في أذهان أفراد المجتمع، معظمها يتعلق بالمرأة.
في مسلسل «النور» يتم تمثيل المرأة ذات الإعاقة، والمرأة العمياء، بأنها غير صالحة للزواج. ويتم تمثيل المرأة المستقلة الناجحة التي تسعى لإثبات ذاتها أنها تخون زوجها، وتقدم تنازلات رخيصة جداً كي تتم ترقيتها في العمل! أضف إلى ذلك أنه يتم التطرق لقضية الرجل الذي ينجب بنات فقط، ويبرر له إقدامه على الزواج بأخرى كي يحظى بالابن الذكر. تظهر المرأة في هذا المسلسل بشكل تقليدي، محاصرة في أصفاد المجتمع الحريمي، والرجل هو من يدير دفة النص، وأحداثه. يعتمد هذا المسلسل، مثل غيره من المسلسلات على الأمور السائدة، والعادات المتعارف عليها إن لم تكن البالية، وذلك قد يكون بهدف ضمان العرض/ الشراء من قبل المحطات الإعلامية أو الحظوة بعدد مشاهدات مقبول، ولكن حتى لو كان هذا هو السبب أو ذاك؛ فأين دور الجهات الناقدة للمحتوى في الخليج العربي؟ ومن هي الجهة المخولة بالنظر وتقييم ما قد يؤول إليه مثل هذا العرض السلبي من تعزيز لممارسات اجتماعية ضد المرأة؟ إذ إنه بمنظور معياري يفترض أن يكون الإعلام مساهما في تصحيح المفاهيم، وتطبيع أفكار العصرنة والحداثة على كافة الأصعدة بما فيها الصعيد الاجتماعي، ومكانة المرأة والرجل تحديداً كمتساويين وشريكين.
هذا المسلسل مجرد مثال واحد على منتج شعبي، خليجي، يحوي مثل هذه الأخطاء ذات الأبعاد الاجتماعية، وهناك غيره يحتوي على ما هو أفظع وأكثر تجاوزاً، كل ذلك يشي بوجود حاجز كبير بين المسلسلات لدينا وبين الإسهام بعصرنة المجتمع، وغرس قيم الحداثة والتقدم فيه. ولكن، لتحليل كل ما تأتي به هذه المسلسلات من أفكار رجعية، وتنميطات ضد المرأة، وسوء إدارة للمحتوى، قد يحتاج المرء إلى رسالة دكتوراه كاملة، أو إلى تأليف كتاب، ولن تكفي بالطبع مقالة واحدة أو اثنتان.