مثلما أن على المواطن واجبات والتزامات تجاه الدولة والوطن فإن له حقوقا واستحقاقات، وفي كل مرة يكون الحديث عن القطاعات الحكومية وخدماتها تبرز الاستفهامات عن نظرة هذه القطاعات والقائمين عليها للمواطن وحقوقه، والمفارقة أن هذه القطاعات تملك قوة نظامية تسمح لها باستيفاء ما تعتبره حقها من المواطن دون انتظار أو تأخير في حين يعجز المواطن عن استرداد حقه أو إبداء اعتراضه تجاه هذه القطاعات.
في العام الماضي تعرضت خدمات الكهرباء لمشاكل تقنية تسببت في انقطاع التيار الكهربائي ولفترات طويلة ومتقطعة عن المواطنين في مناطق مختلفة من المملكة، وتسببت هذه الانقطاعات بأضرار متفاوتة على المواطنين في المنازل والمصانع وغيرها، وقد ظهرت وقتها أصوات تطالب الشركة بتعويض المتضررين حتى لو كان التعويض على شكل إعفاء أو تخفيض قيمة الاستهلاك عن فترات معينة، إلا أن الشركة وقبلها وزارة الكهرباء لم تعر اهتماماً لهذه الأصوات ومضى الموضوع دون حصول المواطن على أية تعويضات، في حين أن المواطن حينما يتأخر عن سداد الفاتورة لأيام قليلة تقطع الشركة عنه الخدمة دون مراعاة لأية أضرار يمكن حدوثها بسبب قطع التيار.. الآن يأتي نظام "ساهر" المروري ليؤكد حقيقة تساهل وتجاهل الكثير من القطاعات الحكومية والخاصة لحقوق المواطن ومعاناته، وقبل الحديث عن مشاكل "ساهر" ينبغي التأكيد على أن الاعتراض ليس مُوجهاً لفكرة وأهداف ساهر، فهذا المشروع مرحلة فاصلة في التنظيم المروري في المملكة وهو مشروع رائد سيساهم دون شك في تخفيف نزيف الدماء الناتج عن الحوادث المرورية المروعة، وإنما الاعتراض والانتقاد موجه إلى آلية وطريقة تنفيذ هذا النظام. فمشروع ساهر لا يمكن لعاقل الاعتراض عليه أو مقاومته، فهو مشروع تأخر كثيرا وكان الأولى أن تطبقه المملكة منذ سنوات وإنما يتركز الاعتراض على طريقة وأسلوب التطبيق والتنفيذ الذي انتهجته إدارة المرور.. الآن مضى على تطبيق ساهر أكثر من ستة أشهر، والمشاكل الناتجة عن التطبيق والتي يدفع ثمنها المواطن ما تزال قائمة بل إنها تمددت لتشمل مناطق المملكة بعد أن كانت في بدايتها مقتصرة على مدينة الرياض، ورغم سهولة وبساطة معالجة هذه المشاكل إلا أن إدارة المرور ماضية في التطبيق دون إخضاع النظام للمراجعة وإعادة النظر والتصحيح بل إن المشاكل التي واجهها النظام في الرياض تكررت في بقية مناطق المملكة، ما يجعل المواطن يحار في أهداف النظام ومقاصده، فالملاحظتان الرئيستان في تطبيقات النظام هما في مستوى "السرعات" المقررة في الشوارع والطرقات، والثانية في ضرورة التدرج في الغرامة وإعادة النظر في مضاعفتها، فالحد الأعلى المقرر للسرعة في كثير من الشوارع هو مستوى منخفض ولا يتناسب مع اتساع الشوارع في مدن المملكة، وهو ما حدا بأمانة مدينة الرياض إلى تكليف مكتب استشاري متخصص لدراسة وتحديد وضع معدلات السرعة في شوارع مدينة الرياض أملاً في دراسة الموضوع مع قطاع المرور، كما أن التأخر في السداد لا يعطي المرور الحق في مضاعفة الغرامة، وبحسب الخبير المروري عضو مجلس الشورى د.عبد الجليل السيف فإن نظام "ساهر" يتجاهل المادة الـ (75) من نظام المرور الصادر في عام 1428هـ التي تعطي قائد السيارة حق الاعتراض على نموذج الضبط أمام محكمة مختصة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تحرير المخالفة عندما يجد ما يبرر الاعتراض موضحاً والكلام للخبير د.السيف "أن المحاكم العامة ما زالت ترفض النظر في منازعات المرور بدعوى عدم الاختصاص على الرغم من تصريح رئاسة مجلس القضاء الأعلى في وقت سابق من أن المحاكم العامة على استعداد لاستلام ومعالجة تلك القضايا".. المشكلة أن النظام الحالي لا يكتفي بحرمان قائد المركبة خلال الثلاثين يوماً من حق الاعتراض فحسب وإنما يضاعف عليه الغرامة حتى لو لم يكن عالماً بها.
إن مساحة التذمر من نظام "ساهر" في الفترة الأخيرة تزايدت ولم تعد تمثل رأي شريحة أو فئة معينة في المجتمع وإنما أصبح الجميع يشتكون من مساوئ تطبيق النظام، ولم يعد غريباً أو مفاجئاً أن ترى المواطنين يتواصون على تلافي مخاطر "ساهر" من خلال الإشارات بالأنوار وغيرها، وهو سلوك يمكن وصفه بأنه غير حضاري ويصور المواطن بأنه ضد برامج السلامة والمرور، لكن الواقع يقول إن المواطن أكثر حرصا من المرور على سلامته وسلامة مجتمعه، لكنه يريد أن يكون شريكا في تطبيقات الأنظمة، ويطمح في أن يكون صوته ورأيه وملاحظاته وشكاواه مسموعة لدى إدارة المرور، إن تواصي الناس على التحذير من مواقع "مصائد" ساهر، وكثرة الاعتراضات الصادرة عن فئات مختلفة من المجتمع إنما تعكس أزمة ثقة بقطاع حكومي هام ومؤثر وهو إدارة المرور ولطالما سمعنا وقرأنا أن إدارة المرور والأمن العام بشكل عام يريد من المواطن أن يكون شريكاً له في تنفيذ برامج السلامة المرورية.
إن غياب مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والقادرة على تبني القضايا العامة والترافع عنها، يجعل المواطنين يتأملون من النشطاء في الحقوق والمحاماة السعي إلى تبني مرافعات تطالب إدارة المرور بالإسراع في معالجة مشاكل نظام "ساهر" أو تعليق تطبيقه إلى حين تصحيح آلياته وإجراءاته المختلفة.