الطلاق أبغض الحلال عند الله، إلا أنه شرع في ديننا الحنيف رأفة بالإنسان، نظراً لاختلاف أحواله وظروفه. عند الوقوف على كل حالة طلاق على حدة نجد مسببات نفسية وجسدية ومادية واجتماعية...الخ، فيما أرغب أن أوجه مقال اليوم إلى الأسباب أو الحالات التي تستوجب طلب الطلاق، ومتى يصنف الانفصال كنعمة أو نقمة، كما أخصص جزءا أخيرا عن الدوافع والأسباب وراء تحمل العديد من النساء في مجتمعاتنا الأذى الذي يلحق بهن من زواج فاشل والإصرار على حماية الرباط المقدس.
مما لاشك فيه أننا في عصر السرعة، وذلك تعبير خاص بالتقنية الحديثة التي نعاصرها، إلا أنه يصف الحكايا والقصص السريالية عن الطلاق من أول سنة وأول شهر وأول يوم، وصولا إلى الطلاق من أولى الدقائق كما حصل مؤخرا في مدينة جدة. أرقام مذهلة فيما يتعلق بأعداد المنفصلين في المملكة خاصة وفي العالم العربي أجمع. وقد تعود أسباب الطلاق إلى المجالات الواسعة والمتداخلة في حياة كل فرد منا. تتمحور أسباب الطلاق حول المشاكل الاجتماعية أو الاقتصادية أو الفسيولوجية إلخ. فكل حالة طلاق مختلفة عن الأخرى، وذلك بسبب اختلاف قوة تحمل شخص عن شخص آخر، وباختلاف المعايير الفردية لنظرية السعادة فالبعض يرى السعادة في وجود المشاعر والرومانسية، ولو كان يسكن «عشة»، والبعض الآخر يجد سعادته في المادة ورغد المعيشة وما إلى ذلك.
فعندما نقف على أسباب طلاق زوجة لديها منزل وسيارة وسائق وخادمة وجميع سبل الراحة، يراها البعض مخطئة، بل جاحدة للنعمة التي كانت تعيش فيها. إلا أن المبرر المنطقي للزوجة هو أن زوجها «دون مشاعر»، هذا مثال على اختلاف وقصور نظرة الشخص المقيمة للموقف، نسبة لأن كل إنسان يحدد أولوياته النفسية والمعنوية ويبني عليها آماله وتطلعاته تباعا. هذا المقال ليس دعوة للطلاق من عدمه إنما لإلقاء الضوء على ابتعادنا عن العوامل النفسية لطالب(ة) الطلاق.
في هذا الصدد، قمت بسؤال العديد من الأشخاص عن السبب الوجيه الذي يستحق طلب الطلاق فكانت الأجوبة من الرجال والنساء بمختلف جنسياتهم وثقافاتهم وأديانهم راجعة إلى منظورهم الشخصي المبني على احتياجاتهم الخاصة في شريك الحياة، في حين اتفق الجميع على أن الإساءة والعنف النفسي والجسدي من مبررات الطلاق، كما اختلف العديد منهم عما إذا كان وجود الأطفال سببا وجيها للعدول عن الانفصال. برأيي أن الإساءة النفسية والجسدية كالضرب والقذف والغيرة المرضية والشك من أهم الإشكاليات التي تستوجب الانفصال في حال انعدام الحياة واستحالة استمرارها بسلام، إلا أنني وقفت على سبب محير وهو الخيانة الزوجية. ذكر أكثر من نصف النساء أنهن على استعداد تام لإكمال الحياة مع الزوج الخائن في حال اعتذر وتعهد بعدم تكرار ما فعل بغية المحافظة على استقرار البيت والحالة النفسية للأطفال، بينما رفض أغلبية الرجال فكرة التسامح والغفران للزوجة الخائنة باستثناء رجل واحد قام بالتفكير في مصير ابنه.
اتضح لي أن الخيانة الزوجية ليست إلا سببا من الأسباب الشخصية التي قد يتجاوزها الشخص في حال كان يقَوِّم العلاقة الزوجية بمقاييس أخرى أهم من الإخلاص. ولكل شخص حرية الاختيار. من وجهة نظري قد يكون الطلاق نقطة تحول وانطلاقة جديدة وقوية في حياة الشخص في حال تواجد الأسباب المانعة من استمرار الحياة السليمة، كوجود الإنسان في علاقة مسمومة أو مسيئة نفسيا وجسديا، إلا أن التعاسة تكون في حال وقوع الطلاق المبني على سوء الاتصال بين الزوجين أو اعتداد أحدهما بنفسه بحجة حفظ الكرامة... إلخ. فالسبب التافه تظهر تداعياته وعواقبه مع الزمن ولكن لا ينفع الندم بعد زلة القدم.
أودّ أن أختم بسبب لم يطرح على طاولة النقاش بيني وبين الأشخاص، وهو منع الرجل زوجته من إتمام الدراسة أو الحصول على عمل وحبسها في البيت، بحجة أنه هو المسؤول والمعيل للأسرة. للوهلة الأولى يهيأ للمرأة أنها ستعيش حياة الرفاهية - في حال كانت سعادتها مبنية على المادة- أو أنه فارس الأحلام الذي سيخطفها على جواده الأبيض إلى جزيرة نائية ليعيشا بسعادة أبدية، في حال كانت سعادتها مبنية على المشاعر- والأمر برمته في الحالتين سيئ لأن المرأة قد تحكم على نفسها مسبقا بالتعاسة نظرا لأن الزواج مشروع، وكل مشروع معرض للنجاح والفشل.
فلقد قمت بحوار عدد من المطلقات اللاتي انطلقن ونجحن في حياتهن عن موطن القوة التي استندن إليها وعليها، فجميعهن ذكرن أن وجود الشهادة الجامعية في المقام الأول والعمل من أهم مواطن القوة لأي امرأة كانت. فما حال المرأة التي سلمت أمرها «لسي السيد» الذي قد يسحب البساط من تحت أرجلها وهي لا تقوى على الحراك؟ لا أعلم من المخطئ هل هي المرأة بجهلها لحقوقها أم اندفاع وعنفوانية من الرجل؟ وهل سيهتم الرجل لحال المرأة التي أطاعته ولزمت المنزل سنين طويلة في حال قرر التخلي عن العشرة؟ أقصد بحال المرأة هنا هو عدم وجود من يعيلها في حال وقع الطلاق بينهما، فستعيش المرأة على الضمان الاجتماعي وعطايا الأقرباء. رجولة الرجل تتجلى في ضمانه لتلك المرأة الحياة الكريمة في حضوره وغيابه، لا في تجريدها من مواطن قوتها الدفينة. وأنوثة المرأة ليست في انصياعها وتنازلها عن حقوقها التي أحلها الله لها ومنعها منها خلقه.