نشرت صحيفة الوطن يوم الأحد خبراً بعنوان «6 عقود زواج و3 طلاق كل 4 دقائق في محرم». والخبر كما ترون لا يحتاج إلى شرح، فهذه البيانات هي من تقرير وزارة العدل الذي تصدره دورياً. الزواج يظل أمراً طبيعياً وفطرياً، وهو غالبا حدث سعيد تفرح به العائلة وبه يستقر المجتمع. لكن ماذا عن الطلاق؟ الذي هو غالباً العكس تماماً، معاكس للفطرة، ومصدر تعاسة للزوجين والأهل والأبناء، وضرره متعد للمجتمع بأكمله سواء اجتماعياً أو نفسياً أو مادياً. مما يجعلنا نطرح السؤال لماذا يتطلقون؟
أتمنى لو تتلقف وزارة الشؤون الاجتماعية مثل هذه التقارير لتنطلق منها في إجراء بحوث مسحية على هذه الحالات. فمن ناحية نحن نحتاج لمعرفة أسباب هذا الطلاق، لنحاول الحد منه ومن تبعاته، حتى لو عبر منع وقوع بعض الزيجات ابتداء. ومن ناحية ثانية، سيوفر ذلك فرص عمل كثيرة لخريجي وخريجات التخصصات الاجتماعية كعلم الاجتماع، وعلم النفس، ورياض الأطفال، وغيرها. إذ إننا كثيراً ما نتهم هذه التخصصات بأنها عديمة الجدوى، فيما الحقيقة هي أننا نحتاج أبحاث هذه التخصصات بشدة لنصلح من أحوال مجتمعنا ولنبني خططنا المستقبلية.
ومن الأسئلة التي دارت في بالي حين قرأت الخبر الذي نشرته الصحيفة فيما يتعلق بحالات الطلاق الكثيرة هي: هل كان يمكن التنبؤ بوقوع مثل هذه الحالات؟
هل كان الزوجان ناضجان وجاهزان إلى حد ما؟ وهل كان الفارق العمري بين الزوجين كبيراً أم صغيراً؟ كم نسبة زواج القاصرات؟ هل كان زواجاً بالإكراه؟ بمعنى أن الرجل أو المرأة مجبران على التوقيت أو على الشريك؟ ما المستوى العلمي والثقافي والاجتماعي والمادي لكل منهما؟ وهل هما متكافئان أم شبه متكافئين أم مختلفان بالكلية؟ هل هناك تشابه في مستوى التدين؟ أو في القيم والأعراف والتقاليد والأخلاق؟ هل الزوجان يحملان نفس الجنسية؟ هل هما من نفس المدينة أو المنطقة أو القبيلة؟
أي أن ما نود معرفته هل ابتدأ الزواج على أسس سليمة تؤهله ليزدهر؟ أم أنه كان محكوماً عليه بالفشل منذ البداية؟
ثمة أسئلة أخرى تبرز حينما يأتي الحديث لأسباب الطلاق ذاته: هل كان رغبة منفردة أم قراراً مشتركاً؟ هل كان أمراً خاصاً بالزوجين كعدم الحب أو عدم الانسجام والتوافق؟ أم أنه نتيجة لتدخل الأهل والأصدقاء والصديقات؟ هل نتج عنه أطفال؟ هل كان لإنجابهم السريع دور في هز أركان العلاقة الزوجية الجديدة أم أن العكس هو الصحيح؟ أي أن عدم الإنجاب كان سبباً في فض العلاقة. هل عانى أحد الطرفين من أمراض وقتية أو مزمنة أو كان تحت تأثير الإدمان أو الكحول؟ هل ساهمت الأوضاع المادية الصعبة كالفقر أو البطالة في هدم هذه الأسر؟ هل كان للتقنية وغيرها من المستجدات تأثير؟
هل يمكن أن يسهم التعدد في الطلاق؟ بمعنى هل كان الزواج الثاني للرجل سبباً في وقوع الطلاق في زواجه الأول؟ في هذه الحالة هل يصح استمرار الحث عليه دعماً للأرامل والمطلقات كما هي الحجة المعهودة؟ أم أنه هو نفسه قد يكون سبباً في ازدياد عدد المطلقات؟ هل تقام البيوت الجديدة على أنقاض أخرى؟ وهل يكون هذا الزواج الثاني في هذه الحالة مستحباً أم مكروهاً؟
وقبل أن يحصل الطلاق، هل كانت هناك محاولات جادة للإصلاح؟ هل لجان إصلاح ذات البين الحالية مؤهلة للقيام بهذا الدور؟ أم أننا نحتاج إلى برنامج متكامل يشرف عليه استشاريون من تخصصات نفسية واجتماعية وطبية ودينية، بحيث يجلس المختص مع الزوجين، لاسيما إن كان بينهما أطفال، لا ليحاول ثنيهما عن القرار، وإنما لفهم أبعاد المشكلة، فهل هي مما يمكن تجاوزه في العلاقات الزوجية؟ أم أنهما وصلا مرحلة اللاعودة؟ بعد ذلك تُعرض عليهما الخيارات المختلفة والحلول الممكنة ويترك لهما القرار.
قد يستخف البعض بهذه المقترحات ويراها مضيعة للوقت، لكنني أعرف شخصياً سيدة كانت قد اتخذت كل الإجراءات للبدء في عملية الانفصال، فاستأجرت بيتاً منفصلاً وغيرت مدارس الأبناء، ثم قررت أن تخضع هي وزوجها لجلسات استشارات زوجية ونفسية قبل اتخاذ القرار النهائي. فعرف كل منهما خطأه من خلال طرف محايد، ونتيجة لذلك اتخذا قرارهما بالعدول عن فكرة الانفصال والمحاولة من جديد، بالرغم من كون الزوجة مستغنية مادياً ومعنوياً عن زوجها.
إن كل سؤال من الأسئلة المطروحة آنفاً في المقال قد يصلح موضوعاً لرسالة ماجستير حول أسباب ازدياد الطلاق في المجتمع السعودي، بل ولعل كل بضعة أسئلة قد تصلح موضوعاً لرسالة الدكتوراه. ولن تكون دراسات عبثية لا يستفيد منها أحد، إنما توصيات مدروسة مبنية على أسس علمية صحيحة يمكن أن تسهم في أمن وسلامة واستقرار مجتمع.
يفرح مجتمعنا كثيراً بالزواج، حتى لو كان واضحاً بأنه بُني على أسس خاطئة، فقبل عام تم الاحتفاء بزواج طالب في المرحلة المتوسطة، لم يخط شاربه بعد! وقبل أيام تم الاحتفاء بإنجابه مولوده الأول وهو بالكاد بلغ السادسة عشرة، وزوجته بالتأكيد أصغر منه، فماذا يفعل هذان المراهقان مع بعضهما ومع هذا الطفل؟ هل كان لديهما الوعي لاتخاذ قرار الزواج أصلاً؟ وإذا كانا قد أثبتا أن لديهما القدرة الجسدية، فهل لدى الزوج القدرة المادية والعقلية لإدارة بيته وتربية أولاده؟ هل يدرك معنى الأبوة وحجم المسؤولية؟ أتكلم عن الزوج تحديداً لأن زواج القاصرات من النساء (ما دون 18 سنة) ليس بأمر مستغرب. والجواب غالباً لا، فهو متكل على أسرته، والتي ستظل تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياته، وهذا قد يكون لاحقاً سبباً من أسباب الطلاق لا قدر الله.
الطلاق أبغض الحلال عند الله، ويترك شروخاً مجتمعية كبيرة، ويخلف آثاراً نفسية عميقة قد يظل ضحاياها يعانون منها بقية حياتهم، ولهذا يستحق كل اهتمام ممكن للحد من وقوعه أو تقليله على أقل تقدير. وهو لا يقل أهمية عن حل مشكلتي البطالة والإسكان، بل ربما أهم منهما، فكل منها يتأثر بالآخر، وفي النهاية ما فائدة بيوت من حجر لا تفرح بداخلها الأسر؟