يقول لي شاكياً بالأمس إن العقبات البيروقراطية أوقفت طلب مئة مليون ريال من أجل استكمال المستشفى الجامعي الذي صرف عليه حتى اللحظة ما يقرب من 800 مليون. وأنا سأضيف على قوله أن هذا ينسحب بالكربون على ما يقرب من عشرة مشاف جامعية في عشر مناطق، كان باستطاعتها توفير خمسة آلاف سرير نوعي في منظومتنا الطبية على الأقل منذ ثلاث سنوات. القصة أعمق من هذا التوصيف المبسط بكثير. نحن استثمرنا كل هذه المليارات الضخمة على مثل هذه المشاريع ثم تركناها خراباً في الخطوات القليلة الأخيرة. نحن مثل بطل الماراثون الذي يقطع متصدراً لأربعين كيلاً ثم يتوقف في المقهى فلا يصل نقطة النهاية في المجمع الأولمبي على بعد كيلومترين. القصة أعمق من هذا التوصيف المبسط بكثير. أحياناً يداخلني الشك أن في دهاليز وزاراتنا وهيئاتنا الكبرى المختلفة من يتعمد أن تبقى مشاريعنا الوطنية العملاقة مجمدة عند النسبة العشرية من المئة الأخيرة وهذه جريمة إدارية كوارثية النتائج. نكمل المشروع حتى يشارف الـ80% ثم نتركه عارياً إلا من حارس أمن على الماسورة المهترئة. هذه جريمة لأنها هدر مالي لكل المليارات المصروفة فلا ترى في المعادلة إلا حرص هؤلاء على ضبط وتقنين ما تبقى. جامعتي تحتاج لأقل من مليار ينقذ كل المليارات المصروفة من قبل وقد أكتب واثقاً أن طالبها المستجد اليوم لن يدخل إلى أي من قاعات المدينة الجامعية حتى ليلة حفلة التخرج. كتبت من قبل كارثة المدينة الطبية التي تركت مئات الملايين مجرد هيكل خرساني على أكبر شوارع المنطقة. تقول المعلومات، ولا تأخذوها على مسؤوليتي، إن مطار الملك عبدالعزيز الدولي توقف من قبل عن العمل تماماً بعد أن صرف عليه ما يقرب من عشرين ملياراً، وكل هذا لضبط الإرساليات الأخيرة. ومثل هذه الأمثلة تحدث تماما في كل مشاريعنا الكبرى حتى صار من حلم الأحلام أن نقبض على مطار أو جامعة أو مشفى أو مدن طبية أو صناعية أو سكة حديد. هناك من يقتل المولود السعيد ومن يرعاه بكل سخاء لتسعة أشهر ثم يخنقه في ساعة الولادة. كان لهذه المشاريع أن تغير أشياء جوهرية في حياة كل المواطنين. في حياة الطالب وآمال المريض وغيرهم بل حتى في وعثاء المسافر. أختم بما ابتدأت: من المسؤول عن تجميد خمسة آلاف سرير جامعي في مستشفيات لم يعد بعضها يحتاج إلا شراء السرير؟