عندما سمعت بخبر تجنيس صوفيا الروبوت بالجنسية السعودية، أثار ذلك فضولي بالطبع بعد أن استعدت إلى ذاكرتي أغنية صوفيا لورين «Americano»، ليس فقط لأنها ليست إنسان، بل لأنها لن تصل مهما تطورت إلى جزء من ذرة من أن تكون امرأة سعودية، فمن بدأ بالمقارنة بالنسبة للحقوق والواجبات قف مكانك في حضرة المرأة السعودية واحترم، واعلم أنك تتعدى على أيقونة المجتمع بأكمله؛ على مكون حفر في الصخر حتى يصل وما زال أمامه طرق بحاجة إلى فتح وتمهيد وقمم بحاجة إلى انتزاع، امرأة لا تقارن بغيرها لأنها الأصل والأصيل لا يقارن بالوكيل! إن الأمر برمته مجرد تحرك رمزي من أجل تسويق للمملكة العربية السعودية والدور الذي تراه بالنسبة للذكاء الاجتماعي وماذا يمكن أن يقدمه للإنسانية، حدث ذلك خلال مبادرة الاستثمار في المستقبل التي أقيمت في مدينة الرياض خلال الأسبوع الماضي، والصدى الذي تلاه سواء أكان سلبيا أم إيجابيا، أدى دوره المنتظر بانتشار الفكرة الأساسية على الأقل، ألا وهي بناء المستقبل الحديث في المملكة العربية السعودية والالتحاق بمسيرة العلم والتكنولوجيا العالمية.

خلال المبادرة قُدم برنامج أليكس الذي تم بناؤه في كندا، وبما أن جزءا من الفريق كان من جنسية معينة خرجت لهجته العربية تعكس تلك الجنسية، المهم أنه أداة جذب، ولو أن نوعية الأسئلة التي كانت من المفترض أن ترتقي لمستوى الحدث جاءت مخيبة للآمال! بما أن البرنامج كان من أجل تسويق الذكاء الاصطناعي، فالمتوقع كان أن يُسأل: ماذا يمكن أن تقدمه لسوق العمل؟ ما هي الخدمات أو الوظائف التي ستقوم بها، هل ستكون هذه الخدمات لنوعية معينة من البشر أم خدمات مجانية؟ هل تدخل في مجال العمليات العسكرية والحربية أم أنك فقط للتواصل الإنساني والاجتماعي؟ أما أن يسأل ماذا تأكل وماذا تشرب؟! لم يبق سوى أن يسأل متى تتزوج ومتى تخلف؟! لماذا مثلا لم يسأل عن سرعة إجاباته وتعبيرات وجهه التي كانت أفضل وأسرع من صوفيا التي تعتبر نفسها: أفضل وأحدث روبوت؟! لماذا يبدو وكأنه انعكاس لرجل في غرفة أخرى أمام كاميرا وميكرفون ويظهر على شاشة على شكل روبوت في قاعة أخرى؟ صوفيا ظهر واضحا أنها آلة، ما هو الدليل الواضح على أنه برنامج؟ ولكن على ما يبدو أن الكثير كان يريد أن يتسلى لا أن يفهم! والغريب أن صوفيا الروبوت على نفس المنبر قالت: إن الإنسان قابل للبرمجة! بمعنى بالنسبة للإنسان ما يضخ إلى داخل العقل يخرج إليك على شكل سلوك، وبالنسبة للروبوت ما يدخل إلى البرنامج يعود إليك منتجا (كلام، فكرة، حركة، تعبير)! ربما يعاد التأهيل ولن نقول برمجة، للكثير من العقول ويصبح التساؤل في المجال العلمي والفكري هو العلامة الفارقة!

العلم يتقدم نعم وبسرعة يكاد المرء يظن أنه يحلم وأن الواقع حوله مجرد خيال، والعلم والعلماء يرسمون لنا المستقبل، وبنفس الوقت يقدمون لنا اختراعات وإبداعات تم العمل عليها لسنوات مضت، ما تراه ليس وليد اليوم أو الأمس القريب، ولهذا حين يحدثونك عن المستقبل هم بالواقع يعملون على تحقيقه، هنالك مقولة: «ما تستطيع أن تتخيله تستطيع أن تحققه»، وهذا ما يحدث اليوم في عالمنا، السؤال هنا هل سنكون جزءا منه أم نخرج من دائرة التأثير ونبقى فقط المتلقي وربما المبرمج؟!

الذي تقدمه لنا فكرة صوفيا، أنه في المستقبل سوف يكون المجال مفتوحا لهذه الروبوتات كي تعمل في مجال التدريب، والعلاج الطبيعي والنفسي خاصة بالنسبة للاكتئاب وضحايا العنف الجسدي والأسري؛ وقد لاحظنا كيف أن الأطفال يحبونهم ويتفاعلون معهم مثل ما يتفاعلون مع لعبهم، وبهذا يكون الانفتاح والتواصل أسهل، مما سيمكن الأطباء من بناء برامج علاجية أفضل وأسرع، وفي التسويق سوف يكون الروبوت صبورا ويتفاعل مع المشاعر التي تصله من الزبون بإيجابية دون تشنج، وفي مجال إدارة الأعمال والتصنيع سيقدمون المشورات والخطط والرسوم البيانية سواء للبناء أو للتشغيل والتنفيذ والمتابعة، وفي السياحة مرشد سياحي بمخزون من المعلومات والصور، حتى أن لديه القدرة على عرض «الواقع المعززAugmented Reality» كإرسال ذبذبات تتجسد أمام السياح على شكل مشهد من الماضي، تصور لهم الحياة في ذاك الموقع الذي يزورونه، وفي التدريب والتعليم الآفاق بلا حدود، لنتصور الوسائل التي من الممكن أن يستخدمها أحدهم وتنوع الاستراتيجيات التعليمية التي يمكن أن يقدمها في درس واحد لعدد كبير من التلاميذ، بقدرات وميول واستعدادات مختلفة في بيئة فقيرة (إمكانيا) لا تمتلك المقومات المطلوبة للتعليم التقدمي الحديث.

 كل ذلك بالطبع لن يلغي الإنسان، كما ذكرنا، إنها مجرد آلات وبرامج، صحيح أنها تتعلم وتتطور من ذاتها وهي بنيت على هذا الأساس، ولكن يبقى العامل الإنساني هو المحرك، وإن كان هنالك من يجب أن نخافه، يجب أن نخاف الإنسان الذي يقوم على البرمجة؛ إن كانت من أجل بناء وتسهيل الحياة للبشرية أم لتدميرها والسيطرة عليها! وأعيد وأكرر مرحبا بصوفيا في المملكة العربية السعودية كإضافة تدفع علماءنا الشباب لبناء وتصنيع ما هو أفضل وأقوى وأسرع وأقرب إلينا ولاحتياجاتنا واحتياجات العالم من حولنا، لكنها ليست امرأة وليست لورين بل مجرد نافذة لنرى المستقبل، الذي إن تفاعلنا معه بإيجابية واعتبرناه تحديا فإننا قادرون على تخطيه، لنصبح في ضفاف الدول المتقدمة حيث يجب أن نكون.