بلا شك، أن لقاء سمو ولي عهد بلادنا الفذ، الثلاثاء الماضي، والذي تعهد للداخل والخارج فيه بما تعهد؛ لم يمر مرور الكرام على الموغلين في الدين بعنف، ومؤكد أنهم في غرفاتهم المظلمة اعتبروه تدخلا في حرياتهم، مغفلين توجيه سؤال مهم لأنفسهم: هل الحرية مطلقة أو نسبية؟، وإن كانت الثانية، فما حدودها؟..

لا ريب أنه لا يمكن أن تكون هناك حرية مطلقة لأحد، ولو سُمح بهذا لرأينا الدنيا مقلوبة، رأسا على عقب؛ لأن الإنسان ميزه خالقه سبحانه بالعقل، والعقل مناط المسؤولية، ومناط التكليف، ومن لا يتحمل مسؤوليته تجاه من حوله، عليه ألا ينتظر تحمل الآخرين لمسؤولياتهم أمامه، ومن يتنكر لأي التزامات تجاه أي شيء يقابله، أو يحاول التنصل من ذلك، ليس له إلا أن يعيش وحيدا، بلا صلات، ولا اتصالات.

المؤسف أن مفهوم الحرية والمسؤولية قد يغيب أحيانا حتى عن بعض المهتمين بتعليم العلوم الشرعية، وأخص بالذكر من هم خارج القاعات الرسمية؛ فينسون أن من أكرمه الله بتعليم هذه العلوم عليه أن يؤدي رسالته الدينية ورسالته الوطنية أيضا، وعليه أن يقوم بتحصين وحماية من يأتي إليه، وفي نفس الوقت عليه أن ينير عقولهم وقلوبهم، ويبعدهم عن التشويه والتحريف والشكليات، حتى يدركوا جوهر دينهم، ويصبح الواحد منهم ملتزما دينيا وأخلاقيا وسلوكيا، ومحبا لوطنه ومحبا ومقدرا لرموزه ومقدساته..

العناية بتعليم الناس العبادات والفرائض أمر لازم، وفي ذات الوقت لا بد أن يكون هناك اعتناء دقيق بقضايا السلوك والمعاملات، وبما يحث على نشر الفضيلة ويقوي الإيمان، مع التركيز في كل حال على التيسير، والابتعاد عن التعسير، عملا بقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وهذه المسؤولية العظيمة تستوجب استعمال الحكمة، والحرص على المثالية، واعتماد النهج الوسطي، والرأفة، والرحمة، ومراعاة الناس وأحوالهم، وتنمية الحب المتبادل بين الراعي والرعية، وبغير هذا سنعمق الفجوة بين الخطاب الديني وبين الواقع الاجتماعي، ونكون قد أغفلنا قيمة الخطاب الديني، وعزلناه عن مواكبة مستجدات الأوضاع الاجتماعية والثقافية والإعلامية والأسرية؛ ولأن الحرية الواعية والمسؤولة والمنضبطة بالضوابط الفطرية غاية كل صاحب عقل، فعلى من أراد أن يظل محتفظا بتكريم الله له بالعقل، أن يكون صامدا أمام أي انتكاسات تريد له أن يفكر في نفسه فقط، أو أن يكون أنانيا، بلا ضوابط يضعها لنفسه، أو يضعها الآخرون له..

بلادنا مقبلة على مفرِّحات، ومن يريد أن يسير في القافلة فمرحبا، ومن يريد رفع عقيرته بالصوت فأنصحه بالصمت، لأننا واثقون فيما سمعنا من الأمير محمد بن سلمان، ونشكره من قلوبنا وعقولنا على إخراجه للعلن ما كان يحلم به العقلاء المهتمون بـ (الصحوة) الحقيقية، وليس الملفقة؛ التي يحسن تسميتها بـ (الغفوة).