ما زال مراجعو مستشفيات ومراكز وزارة الصحة يتنقلون بين أقسامها وعياداتها بالأوراق المحمولة «يدويا»، وتأتي هي الأخرى لتثقل كاهل المراجع علاوة على المرض، وما زال هذا المنظر التقليدي هو المسيطر على الصورة النمطية لدى وزارة الصحة.
رغم أن وزير الصحة قد صرح في يونيو 2016 -أي قبل ما يزيد على عام- بطمس هذه الصورة التقليدية واعتماد الملف الإلكتروني للمريض، وإلى الآن لم يتحول التصريح إلى فعل ملموس في أرض الواقع.
الأمر الذي يدهشني هو أن وزير الصحة من الوزراء الطموحين المجددين بشكل واضح، وله لمسات تطويرية سباقة في مجالات عديدة خلال مسيرته الوظيفية بشكل عام ليس فقط في الصحة، ومع ذلك لم ير هذا المشروع النور إلى الآن أسوة بالمستشفيات العسكرية مثلا.
إن تحويل الملفات الصحية من ورق إلى وسائط إلكترونية أمر يترتب عليه نتائج إيجابية تعود على الدولة وعلى المراجع بالنفع الواضح.
عندما نقرأ في الدراسات الإحصائية لهيئة الإحصاء نجد أن عدد الزوار لمرافق وزارة الصحة لعام 1432 بلغ 131.8 مليونا، وفي عام 1435 زاد إلى 134 مليون زائر، وفي عام 1436 بلغ عدد مرتادي المرافق الصحية 138,601,415 زائرا، ومن البديهي جدا أن كل زائر سيحمل معه ورقتين -على أقل تقدير- ورقة دخول وورقة وصفة علاج، هذا إن لم يحتج إلى عمل فحوصات طبية يصل بعضها إلى 7 ورقات، أو عمل تقارير طبية أولية أو نهائية أو مرافقة أو مشاهد مراجعة، وما إلى ذلك تصل إلى 30 ورقة أحيانا وربما تزيد.
وعندما نأخذ أقل الاحتمالات وهي ورقتان تصرفان على 138,601,415 مراجعا فإن الناتج هو 277,214,830 ورقة سنويا للمراجعين فقط، بغض النظر عند الاستخدام الرسمي والداخلي للمنشآت التي تتعدى هذا بكثير.
إن الاستمرار في استخدام الورق وتهميش التقنية الرقمية يعني تكبيد الحكومة المزيد من الخسائر، ولكن حينما يكون للمراجع ملف إلكتروني (كبير القيمة عديم الوزن ضئيل التكلفة) فإن ذلك سيجنبها تلك الخسائر، وسيكون باستطاعتك -كطبيب أو إداري- بضغطة زر أن تطلع على جميع ملفاته الطبية وإجراءاته من أي مكان بالمملكة، الأمر الذي يستحيل تماما على البند الورقي!
كما أن الكثير من المرضى يتحمل هموما صحية ومادية وأسرية، ومن شأنها أن تنسيه ما يطلب منه من الأوراق والمسوغات، ويكون الفرق واضحا عندما يسقط عنه هذا الحمل، ويجد كل ما يريد طبيبه أمامه على شاشة حاسوبه، بل يعجل بالخدمة ويختصر إضافة إلى تكلفتها وقتها.
إن تفعيل الملف الإلكتروني يحد من تجول بعض المرضى «العابثين» الذين يطوفون على أكثر من مركز صحي أو مشفى ليحصل على أكبر ما يستطيع من كميات العلاج، ولا غرابة إن قلنا إن هناك من يجمعها لبيعها في السوق.
أما على مستوى المراكز الصحية الأولية فإن الملف الإلكتروني سيصنع مصداقية دقيقة للإحصائيات وحصر المستهدف وتوفير كميات العلاج، ويحارب انقطاع الدواء ويجعل كل مراجع ملزما بمركزه الذي جعله مستهدفا له، وجعل «ملزمات» الدواء والأدوات تطلب وفقا لعدد المستهدف لديه.
خلاصة القول فإن الملف الإلكتروني يحتاج لمجهود مادي، لكنه سيوفر نفقات مالية أعظم وصحية وبيئية، وأمورا مستقبلية تتبناها رؤيتنا الغراء 2030.