في نظري لا أعتقد بأن «الاختلاف لا يفسد للود قضية»، وإنما الصحيح هو «الاختلاف يفسد للود قضية». هكذا تظهر مشكلتنا الحالية في أعمق وأخطر صورها. دع عنك الاختلاف في الرأي والفكر، ولكن الاختلاف الأهم هو في القضايا ذات الطابع الإنساني الذي يفسد للود كل قضية، نعم الاختلاف مقدس والتنوع في الآراء رحمة مهما بلغت درجة طيش الاختلاف والمختلف ومهما تسبب من فقد للود، قضية اليوم ليست في الاختلاف ولكن في نغمة الكراهية والعنصرية في التعبير عنه. أعرف جيدا أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست هي الحياة الحقيقية، وإن كانت تعكس صورة قاتمة عنها، وأعرف كذلك أن الشر فيها يعم والخير يخص، ولكن لا يزال ما يحدث في فضائها الافتراضي الهلامي مرعبا جدا من حيث كشفه نفوس البشر وإظهاره الخبايا الدفينة الخطرة في قلوبهم في كل مرة، وآخرها قبل أيام معدودة عندما أصدر وزير العمل والتنمية الاجتماعية الدكتور علي بن ناصر الغفيص، قرارا يسمح لأم المواطن وأم المواطنة وابن المواطنة وابنة المواطنة بالعمل في المهن المقصورة على السعوديين، على أن يتم احتسابهم بواحد في نسبة التوطين المحتسبة ضمن برنامج «نطاقات»، وإلغاء كل ما يتعارض معه من قرارات وزارية سابقة، ويعمل به اعتبارا من تاريخ صدوره.
الكراهية طفت على الخبر وكأنها بقعة زيت سامة، يأتي سيل من الردود ذات المذاق العنصري والموشحة بالكراهية الفجة وأنا أقرأ الردود من أمثال «اللي مو عاجبه يذلف ديرته» و«ذبحونا الأجانب ناهبين حقنا»، ثم استخدام تعابير رخيصة وإشارات ساخرة للدلالة على جنسيات معينة، أصبح الناس، بأكثرية مخيفة في العالم الافتراضي، يتبارون فيما بينهم على بطولة الكراهية ويتنافسون أيهم أكثر عنصرية!
أقولها بكل صراحة أجمعوا التغريدات والردود من على هاشتاق: #أبناء_المواطنات، ستبنون «همالايا» من الكراهية، ثم تتحول القضية بقدرة قادر والكلام يجر الكلام من عنصرية ضد أبناء المواطنات إلى شيعة يكرهون نواصب، وسنة يكرهون روافض، وأصولية يكرهون ليبرالية وبيض يكرهون سوداً، نكره للدين والمذهب والعرق واللون والجنس...
ليس مهما لماذا نكره المهم أن نمارس كراهيتنا! إنه أمر يدعو للغرابة! أهكذا نتحدث عن أبنائنا الأعزاء الذين ولدوا في هذه الأرض المعطاءة، نشؤوا عليها وتربوا فيها وتعلموا في مدارسها وتشربوا الموروث الثقافي والولاء والانتماء عبر أمهم المواطنة، أوفياء لوطنهم، مخلصون له، متفانون في خدمته، لا يعرفون وطنا سواه، ومع هذا يتم التعامل معم بهذه اللغة القميئة! نعم هناك مشكلة بكل تأكيد، وهناك ما يستحق الانتباه في رأي الطرف المقابل، دوما هناك ما يستحق الانتباه في الرأي المضاد والرأي الذي نـحمل، ولكن عندما ينحدر الخطاب ويتصور في كلمات معجونة بالكراهية ويتمثل في نبرة مبنية على حبال صوتية عنصرية، ساعتها لا يمكن العثور على منطق في الحديث ولا يمكن التفاعل معه.
أخيرا أقول: إن قضية معاناة أبناء السعوديات ما زالت موجعة ومؤرقة وبحاجة إلى جهود أكبر من الجهات المنوط بها لتفعيل القانون على أرض الواقع، وعلى رأسهم مجلس الشورى الذي ما زال ملف التجنيس متصرما في أدراجه منذ «بطي»!