«وبالوالدين إحسانا»، أوصانا الله -جل في علاه- بالوالدين في حياتهما وبعد رحيلهما لعظم شأنهما، فيتسابق الأبناء في إرضائهما، وحسن معاملتهما، وإدخال البهجة إلى نفسيهما.

الشعوب العربية بطبعها تؤصل مبدأ الاحترام للوالدين، ولمن هم أكبر سنا، ومن هنا أود إلقاء الضوء على جانب يتخلل تفاصيل حياة الرجل والمرأة، باختلاف أوضاعهما الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

عزيزي القارئ، ربما تكون مقدمة المقال توحي بموضوع غير قابل للنقاش، إلا أن المشكلة تكمن في عدم ملاحظة المشكلة في المقام الأول، ثم الاعتراف بوجودها.

قد يجبر الشخص على الإنصات والانصياع لأوامر أشخاص كثر بحكم القرابة، كالخال والعم، أو للوضع والمكانة الاجتماعية المنوطة بالشخص المُحترم في مواطن كثيرة. احترام الغير يكسو الشخص حلةً لا مثيل لها، إلا أنه يتعدى الحدود في ظروف أو حالات مألوفة، في حال تخطى الإنسان حدوده في تقديم الاحترام، وانتقل إلى مرحلة المجاملة والتكلف السلبي، وهي مرحلة تزج بالشخص في غياهب الوجع النفسي.

فيما تتكرر معاناة الأبناء مع آبائهم، على سبيل المثال، عندما يطلب الوالدان من الابن أن ينخرط في مجال أو مهنة ما، أو يُطلَب منه أن يتزوج من شخص ما، بغية نيل الرضا. لا يكاد شخص إلا وقد مر بهذا الإحساس، لأن من لا يسير وفق العرف يعدّ متمردا، وصفات أخرى يبتدعها الكبار وينشرونها عنه.

من المفيد عند طرح إشكال، أن نبحث عن حلول خاصة فيما يتعلق بالعادات والتقاليد والأمور المتراكبة ضمن ثقافة شعب.

في حوار لي مع شاب سعودي يعمل في وظيفة غير تقليدية، حيث حوّل شغفه وحبه للسيارات إلى عمله الأساسي، ذكر لي أن والده عندما لا يتقبل منه أمرا أو بالأحرى حين يأمره بفعل أمر، يقوم بالتالي، يوافق على الأمر، ثم يظهر عيوب الأمر هذا من فترة لأخرى، في نهاية الأمر يوافق الأب على قرار الابن.

حقيقةً، وجدت تفكيرا راقيا من شاب في مقتبل العمر، لم يندفع ويرفض قطعيا، إنما عمل على إظهار أسوأ ما في الأمر لمصلحته. هذه الطريقة تبدو ناجحة إلى حد معقول وسلمية للطرفين.

في المقابل، لا أحبذ مجاملة أي شخص لن يدخلني برضاه عني الجنة، إنما أتبع أسلوب «الشد والرخي»، فيتعلم الشخص أن هذا الطفل قد كبر، وله رأي وحياة خاصة، وقرارات تباعا، خاصة إن كانت لديه أسرة وزوجة يجامل القريب والغريب على حسابها. فالأخيرة مدمرة لأي علاقة كانت.

ختاما: أتمنى من الآباء والأمهات أن يمهدوا سبل البر أمام أبنائهم، خاصة إن كان الأبناء بارين بهم في العادة، فنحن نربي أبناءنا ليكونوا أسعد وأفضل مما يتمنون، لا لجعلهم أفضل مما كنا نريد تحقيقه لأنفسنا.