اطلعتُ على مقال خاطئ ظالم كتبه الدكتور أحمد الريسوني ضد بلادنا وقادتنا وعلمائنا بعنوان «الإسلام السعودي من الازدهار إلى الاندحار» والريسوني هذا هو أحد الأعضاء المؤسسين للحزب الإخواني القطري، المسمى «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، وقد كان الدكتور الريسوني يعمل في بلادنا نحوا من ست سنوات، في مجمع الفقه الإسلامي بجدة، وينقل عنه مجالسوه أنه كان يذكر المملكة وعلماءها وقادتها بكل خير، لكن عندما غادر بلادنا السعودية، وانتهى عمله فيها، قلب لها ظهر المجن، وأظهر ما كان يخفيه، وتقيأه سُمًّا زُعافا، وحقدا عظيما، مما جعل بعض الناس يستغربون منه هذا التلون، لكني شخصيا لا أستغرب ذلك، فقد دأَب حزب الإخوان المسلمين، على التلون والظلم، وعض الأيدي التي أحسنت إليه، ولو ذكرتُ الأمثلة على ذلك لطال المقال، ولكن ذلك أمر معلوم ومُشَاهد.

ثم إن انكشاف جناية حزب الإخوان على الإسلام وأهله، وظهور الهدف الشرِّير من إنشاء نظام قطر لما سُمِي بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هذا الظهور والانكشاف، أصاب الإخوانيين ومنهم الريسوني بمقتل، فصاروا في ريبهم يترددون، وقد كان كثير من الإخوانيين والمتعاطفين معهم، يغدون إلى نظام قطر خماصاً من المال، ويروحون بطانا، والآن انكشف المستور، فلا عجب أن يفقد الريسوني السيطرة على نفسه، ويقول كلاما لا خطام له ولا زمام، فالإسلام الذي شرعه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، جعله الريسوني إسلاما سعودياً، وهو بهذا يشاق الله ورسوله، ويحدث أسماءً ما أنزل الله بها من سلطان، فالإسلام واحد، وهو أركان الإسلام الخمسة، كما في حديث: «أخبرني عن الإسلام...»، وهذه الأركان الخمسة يقوم بها كل المسلمين، السعوديون وغيرهم، فلا معنى لتسمية الإسلام بأسماء الدول، لكن حزب الإخوان مردوا على هذا التقسيمات الباطلة التي تُفرِّق المسلمين، ولذلك سموا حزبهم «الإخوان المسلمون»، وكأن غيرهم ليسوا مسلمين، وإن كان يقصد بالإسلام السعودي أن السعوديين ليسوا على الإسلام الذي شرعه الله، وهو أركان الإسلام الخمسة، فهذا تكفير للسعوديين، وإخراج لهم من ملة الإسلام، وبهذا يتضح أن ما وصف به غيره من التشدد والخشونة والتزمت والتطرف هو أحق به وأهله.

وإذا كان بعض المؤرخين قالوا: إن التاريخ الإسلامي بعد عهد الرسالة والراشدين لم يشهد التزاما تاما بالإسلام كما شهدته الجزيرة العربية في ظل الدولة السعودية، فإن الريسوني تفوَّه بضد ذلك، فقال: «المملكة تُعد في طليعة الدول المتفوقة في كثرة القتل والتعذيب والاعتقال والاختطاف» ويقول: إنها ضد المسلمين، وتشعل الفتن والصراعات بين المسلمين، هكذا يطلق التهم جزافا، يقول ذلك وهو يعلم أن المملكة وقفت مع المسلمين في كل مكان، بما فيهم الإخوان عندما نُصبت لهم المشانق، يقول ذلك وهو يعلم أن المملكة خدمت الإسلام والمسلمين في كل مكان، بل وخدمت الإنسانية، وكل مكروب في أي بلد، وما قصص السياميين وإنهاء معاناتهم إلا مثالا واحدا، يقول ذلك وهو يعلم أن الدولة السعودية تضم مؤسسات تقدم جوائز لمن خدم الإسلام، ولمن حفظ القرآن والسنة من أنحاء العالم، يقول ذلك: وهو يعلم أن السعودية تضم مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف وتدفع لذلك مئات الملايين، وتوزعه على أنحاء العالم مجانا، وهذا عمل لا نظير له في العالَم، والآن أيضا مجمع الملك سلمان للحديث النبوي، يقول ذلك: وهو يرى ما تقدمه الدولة السعودية لخدمة الحرمين الشريفين، وحجاج بيت الله الحرام، يقول ذلك وهو يرى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تضم أكثر من مئتي جنسية يدرسون الكتاب والسنة على حساب المملكة، ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، كل هذا وغيره كثير، جحده الريسوني استكبارا في الأرض، ومكر السيئ، محاولا إضلال غيره أن السعودية ضد الإسلام والمسلمين، وأما ما ذكره من سب ولمز وانتقاص كقوله: فقه التخلف - فقه البداوة - التطرف - التشدد... إلخ، فهذا كلام مُرسل، ونفثة مصدور، يدل على اضطرابه وخلله، والحجة إنما هي بالدليل من الكتاب والسنة، لا بإلقاء التهم جزافا، ولا بما يطلبه نظام قطر من تشويهٍ وتجنٍّ، ولو قُلبت عليه دعواه، وقيل له بل أنت أحق بالتطرف وأهله، لكان هذا هو الواقع، لأن مقالته الكاذبة الخاطئة هذه تدل على تطرفه وعدم اتزانه، فضلا عن انضمامه إلى جماعة مصنَّفة بأنها: إرهابية، وثنائه في مقاله على رجلٍ بايع تنظيم داعش الإرهابي، وبلادنا المملكة العربية السعودية بحمد الله تطبِّق الإسلام، فدعوى الريسوني أن السعودية تعد في طليعة الدول المتفوقة في كثرة القتل والتعذيب والاختطاف، مجاهرة بالكذب، وفجورٌ في الخصومة، وفي الحديث «إذا لم تستح فاصنع ما شئت»، ففي بلادنا السعودية لا يُقتَل فيها أحدٌ إلا من حَكَمَ الشرع بقتله، والريسوني عاش فيها ويعلم ذلك، لكنه يجحد الحق، ويفتري على بلادنا الكذب، ومن سُجِن فإنه يعرض على المحكمة الشرعية، ويُحكَم عليه بما يقتضيه الشرع، من عقوبة أو براءة، فمبالغة الريسوني وافتراؤه دافعهما الحزبية المقيتة، والريالات القطرية ليس إلا، لاسيما وقد دندن في مقاله على ما أسماه بـ«نداوة الريال»، ودعواه كثرة التعذيب والخطف وإحراق الكتب في الملحقيات كله كذب وبهتان، وهو يعلم أن بعض البلاد التي تدعم الإخوان سجنت أعدادا هائلة جدا من الناس، وبعضها سحبت الجنسيات من طائفة من مواطنيها وجمدت أرصدتهم، ومع ذلك لم ينبس ببنت شفة، وإنما تسلَّط بالافتراء على مهبط الوحي، ومنبع الإسلام، وأنصار التوحيد، فالله حسيبه، وهو يعلم كذلك أن نظام قطر هو الذي يشعل الفتن والصراعات والشر، ومن ذلك سعيه لتقسيم المملكة وإسقاطها، ويعلم أن حزب الإخوان وملتقى النهضة كان يهيئ الشر والفتن خدمةً لنظام قطر، ومع ذلك سكت عنه، بينما يفتري الكذب على المملكة العربية السعودية، وكان قد أُتِي به إلى بلادنا كخبير في الفقه وأصوله، والواقع أنه جاهل في الفقه وأصوله، ودليل ذلك أنه يجعل التزام بلادنا بالشريعة سببا لاندحارها، وهذا من العجائب، فالشريعة تنهى عن الخروج على الحكام المسلمين، وما يتبعه من سفك للدماء، وخوف وجوع، لكونه معصية لله ورسوله، وإن سُمِّيَ ربيعا، والأدلة على ذلك كثيرة معلومة، ومع ذلك يدَّعي الإخواني الريسوني: إن موقف السعودية من الربيع العربي وعدم تأييده، والوقوف ضده، سبب لاندحارها، والسمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف وعدم منازعتهم الأمر، من صميم عقيدة أهل السنة والجماعة، والخروج عليهم من سمات الخوارج، والريسوني يجعل اتباع منهج الخوارج سببا في الازدهار، ومخالفة منهج الخوارج سببا في الاندحار، وأما ما ذكره أن الإسلام السعودي هو بتوجيه آل سعود وسطوتهم، فهذا من جملة جناياته، فليس هناك إسلام سعودي، ولا غير سعودي كما تقدّم، وأما آل سعود فلا يصح أن يُزَايد عليهم أحد، فمنذ ثلاثة قرون ولايزالون وهم ينصرون دين الله، وإن كره الكارهون، والتاريخ شاهد على ذلك، كما شهد لهم العلماء الراسخون في أنحاء الدنيا، ولا ندَّعي لهم العصمة، فهم بشرٌ يُخطئون ويُصيبون، ولكن ليس لهم نظير من الحكام في نصرة العقيدة الصحيحة منذ ثلاثة قرون إلى اليوم، ولينظر في جميع حكام الدنيا في هذا الزمن هل يجد مثلهم في نصرة الإسلام والعقيدة الصحيحة، لا ريب أنه سينقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير، وقد كتب أحد علماء السند وهو حكيم محمد أشرف سندهو في كتابه «أكمل البيان» وتحديدا في ص 27 فقال: «إن الدولة السعودية العربية انفردت من بين دول الإسلام قاطبة بتنفيذ أحكام الكتاب والسنة في بلادها كما كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، ورضيت بهما دستورا لها، وببركة نظام الإسلام حصل فيها من الأمن وسلامة النفوس والأموال والأعراض ما لا يوجد نظيره في العالم كله...»، وكان ابن باز رحمه الله دقيقاً في قوله عن الدولة السعودية: «العداء لهذه الدولة عداء للحق، عداء للتوحيد، أي دولة تقوم بالتوحيد الآن... من يدعو إلى التوحيد الآن ويحكم شريعة الله ويهدم القبور التي تعبد من دون الله مَنْ؟ أين هم؟ أين الدولة التي تقوم بهذه الشريعة؟ غير هذه الدولة...».

إذا عُلِم ما تقدم فإنه لا يُلتفَت لما ذكره الإخواني الريسوني، وإذا عُرف السبب في تجنيه بطل العجب، كيف وقد تعددت أسباب عداوته وبهتانه وظلمه وتجنيه، وإني أوصيه بالتوبة إلى الله، وإعلان رجوعه للحق، وإلا فإن حكم الله نافذ فيمن بغى وظَلَم، فالظلم عاقبته وخيمة، والبغي عقوبته معجلة، ونحن في هذا الرد لم نتجاوز عليه، وإنما بيّنا الحقيقة، مع أنه ظلم وتعدّى، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فمتى ظلم المخاطب لم نكن مأمورين أن نجيبه بالتي هي أحسن».

 كما أُوصِي المسؤولين في مجمع الفقه الإسلامي، والجامعات ونحوهما أن يتقوا الله، وليتيحوا الفرصة للكوادر الوطنية المؤهلة ليخدموا دينهم ووطنهم، فهم أولى من غيرهم، وإن لم يفعلوا ذلك فإن جنايتهم على الدين والوطن عظيمة، ومن الخير لهم وللبلاد والعباد حينئِذٍ أن يُستَبدَلوا بخير منهم.