نشرت «الوطن» في الأسبوع الماضي إنفوجرافيك حول العوامل الثلاثة التي تدفع البعض إلى تصديق نظرية المؤامرة، وفق ثلاث دراسات حديثة في هذا الشأن، إذ قالت إن تدني مستوى التعليم، وانخفاض الدخل المادي، إلى جانب الرغبة في الاختلاف والتمييز، تعد أهم تلك العوامل، فغالب المؤمنين بها غير متعلمين وبنسبة 42%، في حين دخلهم الإجمالي السنوي يعادل 47 ألفا مقابل 63 ألفا لغير المؤمنين بالنظرية، وأخيرا يصف الإنفوجرافيك أن من خلاصات الدراسات المشار إليها، أن نظريات المؤامرة هي للفاشلين!

بطبيعة الحال، تبقى المؤامرات نظريات كما توصف، والإيمان أو عدمه يبقى متروكا لمستوى مصداقية ومنطقية الحجج التي بنيت عليها، ومدى مناسبة التفسير لقناعات الشخص، ولكن من المؤكد لدى كثيرين ممن يدرس ويقرأ التاريخ -والسياسي منها على وجه التحديد- أن يصل إلى قناعة من أن السياسة بطبيعتها لعبة التلاعب، وأن المؤامرة هي جزء أصيل من ديناميكية التلاعب والمسايسة.

من المرجح أن تكشف الولايات المتحدة غدا «الخميس» أكثر من 3100 وثيقة سرية، إلى جانب عشرات الآلاف من الوثائق التي حجبت فقرات فيها من قبل، مرتبطة بمقتل الرئيس الأميركي جون كينيدي، والذي اُغتيل في مدينة هيوستن بولاية تكساس في 22 نوفمبر عام 1963، وذلك وفق قرار الرئيس دونالد ترمب، والذي قال فيه إنه سيسمح بكشف محتوى الملفات السرية المحظورة، بعد أكثر من 54 عاما على وقوع الجريمة.

واقعة الاغتيال بقيت وربما ستبقى أكثر الأحداث إثارة لنظريات المؤامرة في التاريخ الأميركي، إلى جانب حادثة الحادي عشر من سبتمبر التي يدّعي موالو حركة «الحقيقية» أنها كانت جريمة بأياد داخلية، اشترك في تدبيرها قوى خفية لتحرير التنين الأميركي المحتجب لاجتياح وإعادة الهيمنة على العالم.

في خضم الانتخابات داخل الحزب الجمهوري لاختيار المرشح الذي سيخوض انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، كان لافتا الصراع المحتدم بين ترمب و«تيد كروز» على كرسي الترشيح، والذي انتهى -كما يعلم الجميع- بفوز ترمب، ولكن ضمن تلك المرحلة التي تستخدم فيها السياسة كل الوسائل لتحقيق مكاسب، كانت نظرية المؤامرة في مقتل الرئيس كيندي أحد الأسلحة التي استخدمها الرئيس في زرع الشك في مرجعية خصومه، وتحديدا كروز.

فقد قال في مقابلة صحفية مع قناة فوكس في مايو 2016، إن والد «تيد كروز» كان يرافق المتهم باغتيال كيندي «لي هارفي أزويل» قبيل تعرضه للاغتيال بدروه على يد صاحب ملهى، وهو الحادث الذي أتى بعد يومين من اغتيال كيندي، لتتكامل نظرية المؤامرة من ناحية الحبكة والمسبب، ومن يقف خلف إسكات هارفي، والتي تشير اتهامات النظرية المختلفة إلى كل من الاستخبارات الأميركية في حين، وإلى السوفييت في حين آخر، إضافة إلى اتهام كل من الكوبيين وحتى المافيا بالضلوع في إسكات اغتيال كينيدي، وإسكات هارفي، وهو اتهام دفع عضو الكونجرس الديمقراطي «آدم شيف» للتعليق بقوله: «هل يعني ذلك أنه سيتم فضح والد تيد كروز؟».

في السياق ذاته الذي يغذي نظريات المؤامرة حول الحادث، هو ما نقلته صحيفة «بوليتكو» من أن ترمب يتعرض لضغوط من وكالة الاستخبارات الأميركية، بعدم المضي في كشف الوثائق، خصوصا تلك التي تعود إلى فترة التسعينات، كونها قد تعرّض بعض العملاء المتعاونين من مكتب التحقيقات الفيدرالية للخطر، في حال كشفت هوياتهم.

الأحداث الصادمة أو المفصلية في تاريخ أي أمة، لا يمكن أن تتحرر من النظريات التآمرية، لأن السياسة بطبيعتها لعبة فيها التحايل والمراوغة، لذلك يبقى الإنسان الذي يقبع خارج اللعبة مناقدا لمحاولة الكشف عما وراء الواقع، إما لعدم ثقته في السياسي أو لعدم تصديقه أن الأمور تحدث صدفة.

ويستبعد خبراء في قضية اغتيال الرئيس كينيدي أن تنضوي الوثائق الجديدة على معلومات مهمة من شأنها إثارة الرأي العام، وفقا لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست.