علاقة العبد بربه شأن خاص لا نستطيع التدخل فيه أو إطلاق الأحكام حول مدى صحة هذه العلاقة من عدمها. هو في النهاية في حضرة خالق البشر، يعلم سره وجهره.

أما الوسائل التي يستعين بها لتكثف هذا التواصل، فلأنه يستشعر عظمة من يقف بين يديه، ويأمل أن يبلغ القبول والمغفرة.

هكذا بكل عفوية ما تلاحظه على تلك الوجوه العامرة بالخشية والخضوع، وهي تتعلق بستار الكعبة الشريفة، أو تنكب منتحبة في الروضة الشريفة قبالة قبر الرسول الكريم.

بشرٌ تختلف أجناسهم ولغاتهم، لكنهم يتحدون في حضرة الله، وأنت تراهم في ذلك التوحد تستحي أن يصدر منك

ما قد يخدش تلك الروحانية العظيمة.

لذلك، إما أن تتنحى جانبا أو تدخل في روحانية اللحظة، هذا في حال كنت ممن تهزهم تلك المشاهد، ولست ممن

لا يثير فيهم المشهد إلا الريبة والشك، وأن هؤلاء يبتدعون في طرق الدعاء، ومن هذا الحكم غير المؤكد صحته ينطلقون في الزجر والنهر والتخويف من عظم العقوبة. وأمام ذلك الترهيب الجائر إما أن تتفرق الجموع ساخطة، أو تستمر دون أن تلقي بالا للتهويل المفتعل، وهنا قد يستعين أولئك المراقبين للحركات والسكنات بقوة إضافية،

كي يمنع بها المعتمر أو الحاج من إكمال ما شرع في إحيائه من شعائر.

وكل هذا اجتهادٌ، فلم يمر علينا قول صريح يخول شخصا أو أشخاصا نهي مسلم عن التقرب إلى ربه، إلا أن يكون هناك دليل واضح أنه يرتكب محظورا وليس مجرد شكوك، أن ما نعايشه اليوم من حركة إصلاح وتهذيب تقوم بها الدولة الرشيدة لبعض مهام الأجهزة الضابطة للأنظمة، يبث فينا تفاؤلا أن تلك الجهات أو الأشخاص الممنوحين الثقة في مراقبة زوار المشاعر، سيشملهم ذلك التجديد والوعي الحضاري بكيفية التعامل مع ضيوف الرحمن، وعدم التعدي على حرياتهم بفرض شكل معين للتقرب إلى خالقهم، أو لفظا معينا لدعائهم وتوسلاتهم.



قد يوجد من يثير الفوضى أحيانا، أو يتسبسب في مضايقة الزائرين وتزاحمهم، لكنهم فئة قليلة جدا، ورجال الأمن حاضرون لإنهاء الموقف بهدوء ولطف، وهذه المعالجة الراقية تعطي انطباعا جميلا حول ما يتصف به رجال الأمن السعودي من وعي وحسن تصرف، يتواكب مع ما وفرته الدولة من خدمات عظيمة، واهتمام كبير للحرمين الشريفين، سواء المكي أو المدني، وحتى يبرز ذلك الجهد أكثر لا بد من إخضاع من يتولى أمور الحسبة في تلك الأماكن للتوعية والتوجيه، بعدم مضايقة ضيوف الله الذين توافدوا إليه وحده، مخلصين له التوجه، وراجين فضله وكرمه.