اجتمعتُ مرة في ورشة عمل مع بعض مسؤولي الأنشطة الطلابية في وزارة التعليم، وذلك بهدف حصر الأنشطة والمبادرات التي تقوم بها إدارات الأنشطة الطلابية.

كل مسؤول عرض مبادرات إدارته الموجهة لدعم الطلاب في مجالات مختلفة، مثل التوعية بأضرار التدخين، والمشاكل الأسرية، والتغذية، وسلامة الطريق، والتنمر، وكثير من المبادرات التي شملت جميع الجوانب المعنية بالطالب.

الحقيقة، لا أذكر أني استطعت إيجاد قضية لم يتم طرحها في مبادرة.

رغم شمولية المبادرات من وجهة نظر الوزارة، إلا أن الميدان وأولياء الأمور ربما يختلفون في ذلك.

التعاميم الإدارية أو الوزارية، هي الآلية التي يُعتاد عليها للتوجيه بتطبيق المبادرات، يسبقها أو يتبعها بعض الأدلة والإرشادات لتطبيق المبادرة. الميدان أكثر من يعلم بها وبآليات نجاحها، وهو من ينفذها، واقتراحي هو عكس الهرم في إطلاق المبادرات. فتكون آلية مبادرات وزارة التعليم المعنية بالطلاب، آتية من فصل إلى مدرسة إلى إدارة تعليم، وأخيرا إلى الوزارة، وذلك خلال تحفيز المعلمين والمعلمات بالعمل على مبادرات يؤمنون بها وبفاعليتها. بعض المبادرات سترى النور على المستوى الوطني، وبعضها سيتوقف المعلم عنها لعدم اقتناعه بأثرها.

أطرح مثالا افتراضيا غير واقعي للأستاذة نورة، من إحدى إدارات التعليم، إذ قامت بمبادرة مع طالباتها أسمتها «قيمي قممي» لتعليم طالباتها قيم رؤية المملكة 2030 بطريقة مرحة وتفاعلية للطالبات، وكانت النتيجة إيجابية بكل المقاييس.

فقامت قائدة المدرسة بتشجيع بقية المعلمات لتطبيق فكرتها. ولله الحمد نجحت على مستوى المدرسة بدعم من الأستاذة نورة.

ودعمًا لها، تواصلت قائدة المدرسة مع إدارة التعليم لدعوة مجموعة من معلمي ومعلمات مدارس المنطقة للمشاركة معها في تطبيق المبادرة. اجتمع المهتمون وعرضت الأستاذة نورة مبادرتها وآلية تطبيقها وأثرها على طالباتها، فنالت إعجاب كثيرين من الحضور. فأصبحت مبادرة «قيمي قممي» في 10 مدارس الآن، وبإشراف من إدارة التعليم. وخلال عام انتشرت لتكون في 20% من مدارس المنطقة بدعم وتوجيه من إدارة التعليم.

أثر تطبيق المبادرة تصاعديا بدءا بالميدان إلى وطنيا على مستوى المملكة، كبيرٌ وعميق. فإضافةً إلى أثر المبادرة ذاتها، تم تكوين مجتمع تعليمي تعاوني بين المعلمين والمعلمات في المنطقة، بفضل دعم الإدارة وتعاون المعلمات. وأيضا، تم تحفيز قيم المبادرة والإبداع وتمكين الميدان. وأخيرا، أصبحت المبادرة ملكا للميدان، مؤمنين بفوائدها وأثرها.

ومن الجانب الآخر، تقوم الوزارة بدعم الأستاذة نورة ماديا وبفريق عمل حتى تقوم بوضع الأدلة والتطبيقات التي تحقق مأسسة المبادرة على مستوى المملكة، وتقوم بالإشراف على المبادرات التي يصل جدواها إلى المستوى الوطني.

لا نتوقع أن تنتشر جميع المبادرات على المستوى الوطني، ولا أعتقد نريد ذلك. وهناك عدد من المبادرات الإستراتيجية لرؤية الوطن لا بد من تعميمها وتمكين الميدان، ولكن الأساس أن تبدأ بذرة المبادرة من الميدان.

لدينا كثير من المعلمات والمعلمين الذين يتحلون بصفات المبادرة نفسها التي لدى الأستاذة نورة، وما أجمله من تكريم عندما تعتمد الوزارة مبادرة أطلقتها معلمة لترى أثر فكرتها على آلاف الطلبة، وما أعظم هذا التحفيز لبقية المعلمين والمعلمات. ويزيد على آمالي، أن يتم تكريم الأستاذة نورة ماديا في حفل سنوي على مبادرتها مع بقية زملائها وزميلاتها.

وجود كثير من المبادرات والأدلة التشغيلية والحقائب التدريبية، لا يعني أبدا وجود أثر لها في الميدان. الميدان تطبيقي وتفاعلي، يريد مثالا تطبيقيا وليست خطوات مكتوبة على ورق بعيدا عن الواقع. والأمثلة كثيرة. ويمكن تطوير هذه الفكرة، خلال منصة لجميع المبادرات، ليختار المعلم نوع المبادرة، يملأ بعض التفاصيل عنها، يبحث عن مبادرات أخرى، يعرض إنجازاته في مبادرته، وكل ذلك بإشراف من المسؤول.