فيما يضطر كثير من النساء إلى الابتعاد عن أهاليهن، سواء للدراسة أو العمل، يواجه كثير منهن منغّصات يومية
لا تخطر على بال من كان خارج أسوار السكن المخصص لإقامتهن. سأبدأ المقال بحديثي عن الطالبات، ثم العاملات في القطاع الصحي.
يجد كثير من أولياء الأمور أنفسهم أمام خيار يتيم فيما يتعلق بدراسة بناتهم في مدن أخرى، فيكون سكن الجامعات الخيار الأول والأخير لضمان سلامة الابنة.
عند الحديث عن السلامة، يجدر بنا توضيح معناها في هذا الموطن، وهي الأمان من الأخطار والأمور الحياتية التي تعترض الشخص، كظرف صحي أو حالة طارئة وما إلى ذلك.
يُخيّل لولي الأمر أن ابنته ستجد من يؤنسها في وحدتها ويؤازرها في مرضها، ولكن الواقع -وللأسف الشديد- مخالف لذلك.
كانت بجانبي فتاة عشرينية على متن رحلة قادمة من الدمام إلى الرياض، حين لمحت دموعا توارت في عينيها، بادرتها الحديث عن الغبار -طريقة كلاسيكية للتعارف في الرحلات- ذكرت لي أنها تعاني من الحساسية، لذلك تكفكف دموعها، إلا أن الحديث أخذ منحى آخر عندما أخبرتني عن معاناتها اللامتناهية في سكن الطالبات، من
سوء معاملة المشرفات السعوديات تحديدا، إلى اللوائح الصارمة والعقوبات التي تطبق عليهن.
تنص المادة الأولى من لائحة سكن الطالبات للجامعة «x» من فقرة أهداف السكن «تهيئة البيئة المناسبة لإقامة الطالبات القادمات من خارج مدينة الرياض، وتزويدهن بجميع الإمكانات التي توفر لهن الإقامة المريحة».
ثانيا: «توفير الرعاية النفسية والصحية».
ثالثا: «توفير الرعاية الاجتماعية»، وأخيرا «التواصل مع الجهات المختلفة بما يحقق استقرار الطالبة».
كما أن هناك بابا متكاملا عن إجراءات خروج ودخول وزيارات أهل وأصدقاء الطالبة، واصطحابها خارج السكن ضمن 3 نقاط، أهمها: الحصول على الجدول الدراسي للطالبة مع بداية كل فصل دراسي ومتابعتها يوميا.
أيضا، هناك نقطة مهمة، وهي عدم تمكن الزوجة من الخروج مع زوجها في حال كان الأب أو شخص آخر قام بإجراءات التسكين، إلا في حال وجود تفويض من هذا الشخص للزوج.
كما أن غالب الأمور تستلزم عمل تفويض من ولي الأمر، ويشمل ذلك وسائل المواصلات المختلفة التي غالبا
لم تعد تأتي إلى السكن، نظرا للإجراءات الصارمة والأوراق الثبوتية التي يتوجب على كابتن المركبة إدلاءها قبيل الإقلاع.
كذلك وجود ساعات محددة للزيارات، مع تعبئة نموذج خاص لكل زيارة وزائر، وساعات دخول وخروج محددة، فإن تأخرت الطالبة عن الـ10 مساء -مهما كانت الأسباب وإن كانت برفقة ولي أمرها- ستقوم بكتابة تعهد على نفسها، وقد ينتهي بها المطاف إلى الفصل.
ولفتتني نقاط عدة في باب حقوق وواجبات الطالبة منها «تقديم نفسها إلى مشرفة الوحدة لإثبات الحضور في الأوقات التي تحددها تعليمات السكن»، وهناك ضوابط أخرى متعلقة بعدم التصوير، وعدم استخدام الشموع، وعدم تعليق اللوح، وتمكين المشرفة من تفتيش وحدتها السكنية، والرفع بتقرير في حال وجود مخالفات، إلى ما لا نهاية.
تذكر الطالبة أنها عانت 4 سنوات من تغيير اللوائح، وتظاهر مدير السكن بأخذ رأيها، وحين مناقشتها له في نقطة جديدة في اللائحة لم يعطها مجالا، وعنّفها بشدة، فالنقاش والشكوى غير مسموح بهما.
كما يتجلى من النقطة الثانية في أهداف السكن أن الجامعة مهتمة بالصحة والسلامة النفسية للطالبات، وذلك بتعيين أخصائية نفسية من شأنها -إن صح القول- تعنيف وتهديد الطالبات، وأقتبس مقولة إحداهن حين سماعها شكوى من طالبة عن سوء تعامل المشرفات «لقد وصلني خبر شكواك من المشرفات فإن كنتِ تريدين أن تقطعي أرزاقنا فلن تستطيعي، لأن هذه وظيفة حكومية، ولن نتزحزح من هذا المكان»، وغيرها من المواقف اليومية من النهر والزجر المتوالي، وإن دل ذلك على وجوب توظيف أخصائية نفسية لتوجيه الأخصائيات النفسيات.
كما أن ولي الأمر لن يتمكن من رؤية ابنته ولو لدقائق إن لم يأت في الوقت المحدد، ويجب على ولي الأمر أن يتأكد من عمل تفويض للأم والأخ والعم والخال ولأي شخص قد يزور هذه الطالبة في يوم من الأيام. فضلا عن الخدمات المقدمة كالباصات التي تنقل الطالبات داخل الحرم الجامعي، وعدم تقيدها بمواعيد وجداول ثابتة، إضافة إلى منع استقبال الطلبات الخارجية من المطاعم بعد العاشرة -يجب تنظيم معدة الطالبة- مع توافر الوجبات من مطعم الجامعة الذي يمتاز بطبقات الزيت المتجانسة مع الطعام المقدم في كل مرة.
نقطة يجب ألا نغفل أهميتها، وهي وجود سائق للسكن، والذي تطلب منه الطالبات بعض الأمور منها الكتب الدراسية، فيوفرها بعد انقضاء 3 أيام بلياليها.
مصادفة، في الأسبوع ذاته حكت لي ممرضة من جنسية آسيوية سوء المعاملة التي تتعرض لها منذ 3 أعوام، وحبسها داخل السكن الكائن في الطابق العلوي من العيادة نفسها، فتمنع هي وجميع الممرضات من الخروج لأي سبب كان، ولا تأخذ ولو خطوة واحدة خارج «المستوصف»، وكما هو الحال مع الطالبات في السكن يقمن بطلب كل صغيرة وكبيرة من السائق، مهما كان الطلب خاصا ومحرجا، ولا يسمح لهن بالخروج إلا لمرة واحدة في الشهر برفقة جميع العاملات.
تسألني الممرضة: «هل لديكن حياة في الليل، أقصد هل تذهبن إلى المطاعم ليلا والأسواق، هل هذا ممكن الحدوث هنا؟»، وذكرت لي أنها عندما تشتاق إلى أهلها ووطنها تتمنى الخروج والتنزه قليلا، إلا أنها لا تستطيع في كل مرة، فترتمي على سريرها لتبكي!
في نهاية الأمر، وجدتُ عاملا مشتركا بين سكن الطالبات وسكن العاملات، وهو تغيّر اللوائح مرارا وعدم ثباتها، ورجوع القرار إلى صاحب القرار، فعدم وجود لائحة وقوانين متعارف عليها ومصدقة من الجهات المعنية، يعرّض النساء لمثل هذه الظروف. إن لائحة السكن التابع لجامعة «x» يختلف عن لائحة جامعة «Y»، والأمر ذاته يحصل مع العاملات في عيادات مشؤومة، في حين تنعم الأخريات بجميع حقوقهن كإنسان أولا وكامرأة لها احتياجات لا يفهمها غيرها بالمعنى الأشمل.
كامرأة رأت دموع امرأتين في أسبوع واحد، أناشد بتعميم لائحة موحدة على جميع الجهات التي تحظى بشرف استضافة المرأة، وتمكينها من جميع سبل النجاح والتميز، سواء كان ذلك في تحصيلها الدراسي أو في مسيرتها الوظيفية. فالمرأة هي أصل المجتمع، وإسهامها الفاعل جزء لا يتجزأ من أي قطاع.