الاحتفال بالتوقيع الذي جرى في مقر المخابرات المصرية في الثاني عشر من (أكتوبر) تم ترتيبه من قبل المصريين الذين يرون في المصالحة خطوة لمشروع وهدف أكبر. فكما جاء في بيان المشاركين فإن التوقيع جاء «انطلاقا من حرص جمهورية مصر العربية على القضية الفلسطينية، على تحقيق آمال وطموحات الشعب الفلسطيني في إنهاء الانقسام وتعزيز الجبهة الداخلية وتحقيق الوحدة الفلسطينية، من أجل إنجاز المشروع الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين».

الخبر السار هو أن الفلسطينيين أبدوا اهتماما كبيرا ليس فقط للوصول إلى مصالحة، بل أيضا للخوض في غمار مفاوضات مع إسرائيل ومع كبير مؤيديها الولايات المتحدة الأميركية. هذا التجديد في السياسة الفلسطينية انعكس أيضا على سياسات حماس والتي جاءت بالاعتدال السياسي بعد سنوات من المصاعب التي واجهتها حركة الإخوان المسلمين في المنطقة.

طبعا مشاكل حماس بدأت عندما دعمت الطرف الخاسر في سورية ومصر. فدعم حماس للمعارضة الإسلامية أفقدها مقرها في دمشق. كما دعمت حماس حكومة الإخوان في مصر وخسرت عندما سقطت حكومة مرسي بعد سنة.

ثم جاءت السعودية ومصر والإمارات والبحرين بالتضييق على حماس عندما خسرت الدعم المالي والسياسي من رعاتها القطريين والإيرانيين.

وفي غياب أية رعاية إقليمية لحماس لم يكن لدى الحركة سوى العودة إلى حضن إخوتها الفلسطينيين. ومن هنا جاءت موافقة الحركة غير المشروطة لمطالب الرئيس محمود عباس الثلاثة: حل لجنة حماس الإدارية، السماح لحكومة رام الله باسترجاع دورها في قطاع غزة، والسماح بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في الضفة والقطاع.

ستفتح المصالحة الفلسطينية الباب للسلام لأنها ستوفر فرصة لشرعنة المفاوض الفلسطيني من خلال الانتخابات، ولكن المشكلة الأساسية والعمل الصعب سيكون أمام مصر والفلسطينيين في الفترة القادمة.

فمن أجل أن تصل المفاوضات إلى الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 سيتوجب على الطرفين العمل مع الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترمب وإسرائيل بإدارة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. وفي هذا الحال فإن التوقعات منخفضة جدا.

ومن غير المتوقع أن تخرج السيناريوهات المتفائلة إلى الوجود بسبب استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. تلك النشاطات ليست غير عادلة فحسب، لكنها مخالفة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الذي تمت الموافقة عليه بشبه الإجماع (أميركا بإدارة باراك أوباما امتنعت عن التصويت). ذلك القرار طالب إسرائيل «بالوقف الفوري الكامل لكافة النشاطات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس». وقد اعتبر القرار أن تلك النشاطات الاستيطانية «مخالفة بصورة فاضحة للقانون الدولي». أي اتفاق إسرائيلي فلسطيني سيتطلب تنازلات عميقة من الطرفين، وهي تنازلات سيحتاج قادة الطرفين لإقناع شعوبهم بقبولها. يبدو أن صهر ترمب جاريد كوشنر وكبير المفاوضين في هذا الملف جاسون جرينبلات يفهمان ذلك. كما ومن المؤكد أن مصر تدرك ذلك لأنها اقتنعت أن الوفد الفلسطيني في ظل الانقسام لن يستطيع أن يعمل دون التفويض الذي توفره الانتخابات. فبدون التفويض لن يستطيع المفاوض أن يقوم بمفاوضات جدية، ولن يستطيع الحصول على تأييد شعبي لأي اتفاق يتم التوصل إليه في نهاية المطاف.

السؤال المهم هو: ما التنازلات التي ستقبلها إسرائيل؟ فهل ستسمح بإقامة حل الدولتين أو الحل المبني على مشاركة حقيقية للحكم ضمن دولة واحدة. إن لم توافق على أي من الحلين فإن المصالحة الفلسطينية الأخيرة مهما كانت إيجابية لن تحدث أي تأثير في بداية حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، بل ستكون مجرد بداية صفحة جديدة في النضال من أجل حرية الفلسطينيين.  


داود كتاب*


* أستاذ سابق في جامعة برينستون ومؤسس ومدير معهد الإعلام الحديث في جامعة القدس في رام الله

نقلا عن موقع بروجكت سندكيت