(بدءا) أزعم أن ثمة مكونات يؤدي غيابها في المنظومة التعليمية لدينا إلى هشاشة المخرجات المنتظرة!.

(صحيح) أن أسباب الخلل كثيرة، ولكن بعضها يدمر ويصيب الفعل التعليمي لدينا بمقتل، لا ينفع معه (طب) و(علاج)! ولعلني أحدد ثلاثة من تلك الأسباب الموجعة:

(1) لعل من أبرز تلك الأسباب هو (تداخل) البرامج التعليمية في الوقت ذاته، فنجد أن المكون التعليمي يمر بكثير من البرامج المختلفة (وربما وجدت في مدرستين متجاورتين نظامين تعليميين، يقوض أحدهما الآخر)، فهناك -على سبيل المثال- المدارس الرائدة والمدارس المطورة والمدارس الأولى بالرعاية ومدارس النظام الفصلي ومدارس المقررات و..و!

وبالتأكيد فإن ذلك الاضطراب يفضي إلى ضياع الأهداف، وتلاشي قيمة الغايات! كان من المنتظر أن تجارب السنوات (الطوال) الماضية قادت المسؤولين عن العمل التعليمي إلى

تحديد برنامج (واحد)، يمكن أن يتضمن بعض العناصر الإيجابية للبرامج الأخرى (التي يمكن أن تدخل في عملية اتساق تفاعلي مع البرنامج الرئيس، أو إلغاء بعض البرامج كلية، كالتي جعلت فرص النجاح متساوية للطلاب المجدين والمهملين معا، كما يحدث في النظام الفصلي الآن للمرحلة الثانوية)!

من جهة أخرى، فإن ذلك الاضطراب في برامج العمل التعليمي يفقد المنظومة التعليمية لدينا جهودا مبدعة لأفراد جعلوا (كل) أفكارهم وأنشطتهم رهينة لخدمة برنامج، يمكن أن تكون غاياته غير حقيقية أو غير ممكنة، أو غير ملائمة للواقع التعليمي المحلي!

كما أنه (يحمل) ميزانية التعليم أعباء يمكن الاستفادة منها في إصلاح المنشآت التعليمية المترهلة، وتوفير أهم الإمكانات التعليمية التي تضفي على الفضاء التعليمي أبعادا جاذبة لا بد من توفرها، لتحقيق الغايات المنشودة!

(2) ومن أبرز مكامن الخلل كذلك: النظرة الباهتة إلى المعلم، من خلال (اللامبالاة ) العامة في التعاطي مع مستحقاته وهمومه، والتي تتجلى أولا في النظرة المتساوية للمعلمين، الأكفاء والعاجزين.. الخبراء والمبتدئين.. المكلفين بالمراحل الابتدائية والثانوية.. إذ إن المفترض هو (تمييز) معلمي السنوات العشرين عن معلمي السنوات الأولى، (فالواقع يفصح عن تطابق في المهام والمسؤوليات والمحفزات والجداول الدراسية بين الرواد من المعلمين الخبراء، ومعلم السنة التعليمية الأولى)!!

كما أن المعلم المضطلع بمهام العملية التعليمية على أكمل وجه لا يفترق عن المعلم ذي الأداء العشوائي والضعيف!!.. وهكذا!!

 (3) وثالث مكامن الخلل يكمن في عدم (جاذبية) البيئات التعليمية و(العملية التعليمية) برمتها! وهذا الذي أفضى إلى النسب الهائلة من عدد غياب الطلاب والمعلمين، وإلى وجود تلك الأسابيع الدراسية المهملة التي أصبحت (ميتة) بأيد فاعلة (مجهولة)!!

ولعل ما قررته الوزارة مؤخرا من زيادة ساعة يوميا لحصص النشاط المدرسي هو خلل آخر في العملية التعليمية، لعدم وجود تلك البيئات الجاذبة والمشجعة والممكنة، لممارسة أدنى النشاطات على الأقل، مما يزيد من غياب الطلاب أكثر فأكثر، لزيادة عبء ساعة كاملة على أنفاسهم المحبوسة في حيز مكاني ضيق، لا يتجاوز نصف المتر المربع!

ولا شك أن مثل تلك القرارات العشوائية تؤكد الفكر النمطي (المكتبي) لقادة العمل التعليمي، والذي يجعلهم أنفسهم بمنأى عن أي نشاط يمارس للكشف عن الواقع الحقيقي العام للبيئة المحلية المدرسية!

(4) ثلاثة أمور إذا ما توفرت لمنظومة التعليم لدينا نكون من الناجحين والناجين واللاحقين بركب العلم والحضارة: اتساق برامج التعليم ومقاربتها للواقع الحقيقي، وجاذبية التعليم وبيئاته، و(التمايز) بين المعلمين.