ألم يكن بإمكان الذين يعارضون قيام منتدى خديجة بنت خويلد أن يقدموا أسئلتهم ومواقفهم بعيدا عن هذا الصراخ والضوضاء التي تجعلهم في خانة واحدة، هي ذات الخانة التي ألفها السعوديون منذ بداية حياتهم، وهم يرون كل فكرة جديدة أو منتج جديد يصل إلى حياتهم يقابل بهذا الصراخ، بمعنى : لماذا لا تقدم الممانعة الدينية التقليدية خطابا جديدا وهي تطرح احتجاجها على فكرة ما أو على رأي لم تألفه، خاصة أن حجم التكرار والممانعة واستخدام ذات الأدوات، هي ذاتها التي تتكرر منذ بداية التاريخ السعودي، في الوقت الذي لم نجد أثرا لأي من مخاوفها حين تدور عجلة الزمن ويتجه الناس إلى خياراتهم . وتتحول أصواتهم إلى ذكريات مسلية للسعوديين وهم يقرأون تاريخ الممانعة الذي لازم كل مراحلهم وكل نقلاتهم التنموية الحياتية . فذات أفكار التخويف من التغريب والخوف من إخراج المرأة من بيتها، والدعوات للسفور ونزع الحياء، والاختلاط وكلها موضوعات مررتها الممانعة الفقهية كثيرا على أسماع السعوديين، والذين اكتشفوا بدورهم أن لا علاقة لها بواقعهم، ثم حين ارتفع مستوى الوعي بين الناس باتوا هم أول من يتجاوز ذلك التخويف، ويتجه إلى بناء حياته ومستقبله.
يؤمن التشدد وعبر تاريخه الوعظي بأنه يمكن تحريك الناس وجذبهم وشدهم، ويتعامل معهم كقطيع يمكن تسييره وفق الدعوات التي توجه له، وذلك ما يتضح بجلاء في مخاوفه وعناوينه مثل: إخراج المرأة من بيتها، نوع العفاف والحياء، وغيرها من الأفكار التي لا يليق إطلاقها إلا على القطيع، الذي لا حول له ولا قوة، فلا يمكن إخراج من لا تريد الخروج من بيتها، ولا يمكن توظيف من لا ترغب بالوظيفة، فالناس لديهم محدداتهم وأفكارهم التي يسيرون عليها، وليس أداة في يد من يخرجهم أو يدخلهم، وما يحدث الآن من مظاهر حياة يسميها التشدد تغريبا ليست سوى نوع من الوعي الجديد لدى الناس وقدرتهم ببناء خياراتهم وأفكارهم ومستقبلهم، علاوة على ذلك فهي ذات المخاوف التي يتم ترديدها على الأسماع منذ عشرات السنين . والسؤال اللائق هنا: هل يخاف الممانعون على أنفسهم وبناتهم – كما كتب أحدهم – أم يخافون على المجتمع؟
إذا كان الخوف على المجتمع، فالمجتمع في زمن الدولة تدير حياته المؤسسات فيما يتعلق بقضاياه العامة، ويدير الأفراد خياراتهم بما يتعلق بحياتهم الخاصة، ولم نسمع في يوم من الأيام أنه تم القبض على شلة من الكتاب والمثقفين وهم يجرون امرأة خارج سور بيتها لتغريبها، ولم يتم القبض على مسؤول بتهمة التغريب والسعي لنزع الحياء، مما يؤكد أن تلك المخاوف هي مخاوف في رؤوس الذين يرددونها، والذين لديهم من اللياقة والصبر ما لا يدفعهم حتى لتغيير خطابهم.
بل حتى الأساليب التي يتم استخدامها هي ذاتها التي تتكرر في كل موقف مع اختلاف المنابر؛ جعجعة في مواقع الانترنت، وصراخ وبيانات، لكن الجديد هو أن ينطلي صراخهم وأن تنطلي مخاوفهم على عقلاء من الفقهاء ممن رأى فيهم ولي الأمر ورأى فيهم الناس صوتا فقهيا إيجابيا، كما حدث لأحد أعضاء هيئة كبار العلماء، والذي قال "الموضوع الذي حدث في جدة والذي تحدث عنه هؤلاء في شؤون المرأة هم - حقيقة - لا يمثلون المرأة السعودية، فهي بمعزل عن هذه الافتراءات التي يأتي إليها هؤلاء ويدعون فيها إلى الاختلاط ويفسرون الاختلاط الممنوع بأنه التلاحم الجسدي. هذه كلها أشياء المرأة السعودية والشعب السعودي لا يرضى بأن يمثله هؤلاء".
من الواضح والغريب في آن معا، أن هذا الموقف الذي ساقه الشيخ ليس موقفا فقهيا على الإطلاق بل هو موقف اجتماعي بالدرجة الأولى، ويتلخص في كون ما حدث لا يمثل المرأة السعودية، مما يعني أن المعنى الذي ساقه الشيخ ليس حتى في سياق ما كان مأمولا منه، وهو التوقف مثلا عند بعض ما يراه من ملاحظات، وسيستقبلها الجميع بكل ترحاب، ثم إن مسألة من يمثل المرأة السعودية ليست قضية ولا رأيا يستند إلى واقع، فالسعوديات طيف واسع ومتنوع، ولسن على قلب امرأة واحدة لكي نبحث عمن يمثلها، فكل طيف يمثل نفسه، وكما أن ما يكتب من مقالات، وما يقال من آراء فقهية هو أيضا لا يمثل الرجل السعودي، فكذلك الحال في كل رأي أو موقف نسائي. إلا أن هذه مشكلة سلطة العامة على الفقيه.
أما الحال بالنسبة للبيانات والمقالات على الانترنت، فهي لا تعيش جديدا سوى في نوع من أنواع التجاوز، والذي تتباهي به الأوساط التقليدية، وترى فيه شجاعة وجرأة في قول الحق، فالذين يكتبون عن الوزراء وعن الأمراء والأميرات، ويتخذون منهم مادة لهجوم حاد وسافر، هم في الواقع إنما يستفيدون من حجم حرية الرأي الذي اتسع سعوديا، تلك الحرية التي يهاجمونها إذا رأوا أنها انتقدت فتوى أو رأيا فقهيا.
إن نساء كعادلة بنت عبدالله، أو كمها فتيحي أو كسيدات منتدى خديجة بنت خويلد أو غيرهن من السعوديات اللواتي يرفعن أصواتهن لحاضر الوطن ومستقبله في الصحف ووسائل الإعلام وفي ميادين العمل الشريف، هن في الواقع صوت الطموح والمستقبل، هذا الطموح والمستقبل الذي يقوم على الخيارات الشخصية، ومن حقه إيجاد القوانين التي تشرع للأفراد ما يحمي خياراتهم، وما تقوم به الأميرة عادلة أو غيرها من نساء الوطن، تكمن قوته في أنه اختياري وناتج عن وعي بالمسؤولية وشعور بها، وهو ما يستحق الثناء والتقدير، خاصة أن الواقع يثبت أن المرأة السعودية هي الأقل إسهاما في التنمية، مما يجعل من قراءة واقعها قراءة لواقع التنمية. وفي زمن الدولة لا يمكن لرأي مشغول بالتحريم أن يدير حياة الدولة ومستقبل الناس.