على الصفحة ذاتها تنشر صحيفة محلية صورتين: الأولى لسيدة عربية من دولة شقيقة، قادها الحظ السيئ للعيش سنوات طويلة من عمرها تحت ظل حكومة ظالمة غاشمة، أوصلتها إلى أن يضيق أفقها، ويتلاشى، فلا تجد سوى مسابقة للرماية لتمارس حياتها، وهي الصورة التي نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية. لقد كانت تصوب فوهة المسدس تجاه عدسة الكاميرا!

مؤكد -أستدرك هنا- لو أن هذه السيدة وجدت حكومة صالحة، أو على الأقل صادقة، لما كانت صورتها قاتمة، في ظل مناخ ملوث، يُقاد فيه الأطفال والنساء، ويجندون لخوض حرب ليست حربهم.

في الصفحة ذاتها، تشرق صورة عالمة أبحاث السرطان في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض الدكتورة خولة الكريع، تحت عنوان عريض مبهج يقول «إنجاز علمي سعودي.. اكتشاف 41 جينا تتعرف على السرطان الوراثي».

الكريع رأست فريقا من الأطباء يضم مع حفظ الألقاب عبدالخالد سراج، طارق مسعودي، فؤاد الدايل، إسماعيل البدوي، ناصر الصانع، لؤي الأشعري، علاء عبدالجبار، سمر الحمود، سيف الصبحي، أسماء طلبة، داحش عجارم، محمد الدويش، خالد الزومان، منى الجبوري، حسام بن يوسف، تمكّن من التعرف على وجود أسباب وراثية عائلية لعدد من أنواع السرطانات بنسب متفاوتة. والدراسة حسبما نشرت الصحف أمس تعد الأشمل من نوعها على مرضى السرطان السعوديين.

تأتي صورة خولة الكريع ناصعة البياض والطهر والفخر، باذلة حياتها ووقتها لأجل الإنسان. تقول «أشعر بقلق نتيجة ارتفاع عدد المصابين بسرطان القولون». هي تتحدث عن الإنسان في كل مكان في هذا العالم. أيّا كان لونه وديانته وجنسيته. 

تمثل خولة الكريع حاملة الدكتوراه في سرطانات الجينات، وبقية النساء المتميزات في بلادي، في مجالات الطب وغيرها من التخصصات العلمية، أيقونة حضارة وتفوق، وتبرهن -للأعداء قبل الأصدقاء- أن هذه البلاد تمد يدها الكريمة المعطاءة لكل إنسان متميز من أبنائها وبناتها، يبحث عن خدمة الإنسان أينما كان. 

أقف بمشاعر متناقضة أمام خولة الكريع وهي تبحث بـ»حزمة الأمل» عن طوق نجاة للإنسان من الأمراض القاتلة، بينما سيدة أخرى تتدرب على مسدس يستخدم لقتل الإنسان، الذي تحاول خولة إنقاذه. 

وفي كلتا الحالتين، ابحث عما وراء الصورتين. 

ابحث عن الحكومات التي تبني وتزرع، وابحث عن الحكومات التي تهدم وتسرق.