في كل مرة أقرر أن أتجاهل أخبار مجلس الشورى، يقع أمر خطير يتطلب ألا نعطي ظهورنا له، بل نتوقف عنده للحظة. مثل خبر استفزاز الإعلام لعضوين، استشاطا غيظًا من انتقاد الإعلام لأداء المجلس. ليفتحا ساحة حرة، تناغمت فيها عملية «الرفع والكبس»، بعد أن سُمح لهما بالرمي ضد زملائهما، دون تدخل أو مقاطعة من رئيس المجلس، الشخص الوحيد الذي يحق له المقاطعة في نظام المداخلات. حيث فاجأتنا إحدى العضوات بافتتاح جلسة الاثنين الماضي، بتوبيخ زملائها تارة، وبإلقاء اللوم والاتهامات على الإعلام تارة أخرى.
فبعد أن وبخت العضوة التي لم يمر على وجودها بالمجلس ثمانية أشهر زملاءها، الذين انتقدوا أداء المجلس، وكأنهم طلاب أخطأوا في حل الواجب، قامت بشكل مبالغ به باتهام الإعلام ووصفه بالمحرض، لتذكرنا بردة فعل أحد الوزراء، الذي حين أخطأ في اتخاذ بعض القرارات وفشل، علق خطأه على الإعلام، بدلاً من أن يعتذر بشجاعة بأنه أخطأ وينوي تصحيح ذلك. ولكن السيدة العضوة، لم تكتف بالاتهام، بل تمادت حين اتهمت الإعلام بمهاجمة «الرموز»، في إسقاطة مليئة بالغرور وتفخيم الذات، فمتى أصبح أعضاء الشورى من الرموز في ليلة وضحاها، وملوكنا يتمسكون بلقب «خادم»، ولم يبق لها سوى أن تقول إن أعضاء الشورى لحومهم مسومة لا ينبغي أن يطالها أي نقد!
وبدلاً من أن يقاطعها رئيس المجلس، ترك المجال لنافذة عاصفة أخرى لتُفتح، وتهب على المجلس بالتهديد بالعقاب، حين ترك عضوا آخر يطالب بحماس محارب الطواحين، بتفعيل محاكمة الأعضاء، مع أنهم لم يرتكبوا جريمة تستحق المحاكمة بل اختلفوا في الآراء فقط. وكنت أتمنى لو وضع الرجل جهده وحماسه بطلب تفعيل نظام التنحي وذكر فوائده، وأن يفكر جدياً أن يتوكل على الله ويستعينه بالرحيل هو وزميلته، لأن ما قاما به من طعن كان مخجلا للغاية وسيظل وصمة.
الأمر الصادم حقاً كان موقف رئيس المجلس، أمام تلك المداخلات العنيفة والتهديدية غير المسبوقة في تاريخ الشورى، فلم يستدرك الأمر أو يقاطع هذا الانفعال والهجوم الخاطئ، والذي كشف عن قصور في وعي هؤلاء الأعضاء، حول طبيعة علاقة الإعلام كشريك استراتيجي للأجهزة الرقابية والتشريعية مثل مجلس الشورى ووزارات الدولة. كل ما حدث أن استمع رئيس المجلس بكل آذان صاغية للعضوين الغاضبين، وسمح لهما بإفراغ كل ما بجعبتهما من مصطلحات مبالغ بها ضد زملائهما والإعلام، في سقطة لن يزول تأثيرها من نفوس بقية الأعضاء سريعاً، بل أوغرت الصدور. فبدلاً من أن يعترفوا بصدق مع أنفسهم وبكل شجاعة، بأن أداء المجلس المتردد كان فعلاً ضعيفا وبطيئا أمام القضايا المهمة، وهم بدورهم يتفهموا شعور الخذلان والغضب الذي تملك الناس. وسيعملون مثلاً في المستقبل على بناء علاقة مهنية متينة، بينهم وبين بعض والإعلام، وسيعتبرونه شريكاً في عملية التطوير يعمل معهم وليس عدواً ضدهم.
كما أن الشورى يعد جهازا تشريعيا ورقابيا، ليس من مهامه فقط تقديم توصيات، بل إصدار قرارات، وهناك فَرْق من حيث القوة والإلزام، وقياس الرأي العام يعد من أهم الأدوات، التي تبيّن آراء أفراد المجتمع ومدى رضاهم عن إنجازات أي جهة أو مؤسسة. ومع الإعلام الجديد انتهى عصر تفخيم وتلميع المسؤولين والوزارات ولا أحد فوق النقد، فنحن شعب طموح متعطش للتطوير والتجديد. والمشكلة أن العضوة الغاضبة لديها دكتوراه في القياس وماجستير في القياس والتقويم، ومن يتلقى تعليماً متخصصاً في مبدأ القياس، يدرك أهمية قياس الرأي العام نحو إنجازات وقرارات مؤسسات الدولة.
ومن باب العلم بالشيء، من صلاحيات رئيس المجلس افتتاح الجلسات، وإعلان انتهائها، وإدارة المناقشات واشتراكه فيها، وله أيضاً أن يأذن بالكلام، ويوجه نظر العضو المتحدث إلى التزام حدود الموضوع والوقت، وينهي المناقشة، ويطرح الموضوعات للتصويت، وله أن يعقد جلسة طارئة أو يؤجل الجلسات لبحث موضوع معين، وله أن يتخذ ما يراه ملائماً وكافياً لحفظ النظام. فكيف سمح لعضوين بالتهجم والطعن في 148 من زملائهما، وتضييع وقت المجلس بالشخصنة، ونحن كمواطنين نتمنى كل دقيقة يقدم فيها المجلس موضوعاً جديداً يلامس همومنا اليومية. فكيف غفل رئيس المجلس بأن دوره لا يمكن أن يكون امتدادا لدوره الأسري في مجلس المنزل، فله أن يعفو عن أبنائه إذا أخطأوا في الحديث، وله أن يوبخهم مثلاً. ولكن التلويح بأن من حقه كرئيس محاسبة الأعضاء يُسقطه في نفس الخطأ الذي وقع فيه العضوان، وربما يُفهم كاعتراف ضمني بالاتفاق مع كل ما ذكره العضوان الغاضبان.
كنت أتمنى لو وظف الرئيس خبرته القضائية بالدفاع عن الأعضاء، وأوقف عضوي «المحاكمات وهيبة المجلس والرموز»، وهدأ من روعهما وأعادهما إلى رشدهما، بتذكيرهما بأن أعضاء المجلس ليسوا فوق النقد، ولم يرتكبوا جريمة ليتم تهديدهم، ولكن تلويحه الصادم باستخدام صلاحياته وضع النقاط فوق هذا السيناريو المحبط..