ما حصل من تجمعات عنصرية أمام إمارة منطقة حائل، والتي تم إطلاقها عبر تطبيقات «واتساب» و«تويتر» للمطالبة بفك ارتباط زوجين مضى على زواجهما بضعة أعوام لدواع عرقية، تضمن مخالفات عديدة، غير أن أهمها أمران.

الأمر الأول هو استخدام الإعلام الجديد بتطبيقاته المتعددة لهذه الدعوة التحريضية لإشعال النعرات الطائفية عبر التصوير والنشر وإنشاء الوسوم لهذا الغرض المقيت، مما يدل دلالة تامة على غياب معرفة عواقب ومآلات تلك الأفعال التي تُدين أصحابها -معلوماتيا- وتضعهم تحت طائلة المساءلة القانونية.

تقنية الاتصالات الحديثة هي نازلة من النوازل على مجتمعات كوكب الأرض قاطبة وليس مجتمعنا فحسب. لقد نقلت الإنسان إلى مستوى كلي من القدرة الإعلامية في التواصل وبث المحتوى الإعلامي عن طريق جهاز محمول بين يدي صاحبه ليصبح محررا وكاتبا ورئيس تحرير وصاحب قنوات متعددة، أشبه ما يكون بوزارة إعلام هو قائدها ووزيرها ومتحدثها. يطل معاليه من خلال وزارته الشخصية على كافة شعوب الأرض، وينشر آراءه وأطروحاته ومواده الإعلامية النصية منها والمصورة، مباشرة أو عبر تصوير مسبق!

كل هذا الوابل التقني، يجعلنا أمام حاجة ماسة للتوعية من تبعات ما ننشره والإلمام بالأنظمة الداخلية للجرائم المعلوماتية، فضلا عن إدراك ما قد يسببه نشرنا الشخصي من أضرار محتملة قد تلحق ببلادنا وسمعته وسمعة أفراده خارجيا. أضف إلى ذلك، معرفة الأنظمة المعلوماتية للدولة التي تسافر إليها، وتنشر أو تصور على أراضيها، فقد يختلف من بلد إلى بلد.

إن تصوير مخالفة مرورية أو جنائية تقدمها للجهات الرسمية أمر محمود، غير أن القيام بنشرها على الملأ يجعلك مرتكبا لقضية تشهير يجرمك عليها القانون ومن ثم تعتبر مدعى عليه، خاصة إذا أظهر التصوير ملامح الجاني أو شيئا من خصوصياته.

هيئة الاتصالات وعموم المؤسسات التعليمية والجهات الحكومية، يُفترض فيها تقديم توعية كبيرة، على نطاق واسع، فيما يخص الجرائم المعلوماتية، وتعميمها على موظفي القطاعات الخاصة والعامة، والاستعانة بشبكات التواصل الاجتماعية والحسابات المؤثرة فيها لتعريف الناس بالعقوبات، بتدرجاتها من الخفيف إلى المغلظ، نتيجة لحداثة التقنية الطارئة على المجتمعات، وجهل الكثير بالمخالفات المترتبة عليها. كذلك، فإن الجهات المعنية بملف الجرائم المعلوماتية تحتاج إلى تحديث يتوافق مع المتغيرات السريعة في عالم التقنية، ومواكبة التوجهات الحديثة على الإنترنت ومعالجة كافة صنوف التطرف على الشبكة بأشكالها العنصرية والدينية وخلافهما.

الأمر الثاني في قضية تجمع حائل هو التأجيج العنصري الذي يصل إلى احتشاد جمهرة من المطالبين بفك ارتباط أسرة لديها من الأبناء والبنات على خلفية تكافؤ النسب.

الكل يتفق على أن التحريض العنصري والقبلي خطر جسيم على المجتمع، غير أن المؤسف حين تكون بعض الجهات هي المحفز، أحيانا، لتلك النعرات القبلية. لا يمكن أن تكون التوعية بمخاطر التحريض العنصري فاعلة، مجتمعيا، دون أرضية قانونية داعمة لها، فكيف حين يكون الأساس القانوني يسهم في مثل هذه الغطرسة والصلف العشائري. في عددها 653، نشرت صحيفة «الشرق» أن محاكم المملكة شهدت 16 طلب فسخ نكاح لعدم تكافؤ النسب خلال 10 أشهر فقط! وللأسف، فإن بعض الجهات العدلية تقبل النظر في مثل هذه القضايا، وقد يحكم القضاء بالتفرقة بين أزواج، وهو ما حدث بالفعل في قضايا وصلت إلى الرأي العام فضلا عن المسكوت عنها.

هذا الأمر يشجع العامة على الاستمرار في ترسيخ التمييز العنصري، والمنتظر من القضاء السعودي الكريم أن يمتنع أصلا عن استقبال مثل هذه الدعاوى، لاسيما التي قد تم توثيق عقد النكاح بأركانه المعتبرة. وحيث إن مبحث تكافؤ النسب ليس من الثوابت في الدين، بل هو محدث من جانب فقهاء خالفهم آخرون، الأمر الذي يتطلب إهمال هذا المبحث لا إعماله، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تتطلب اللحمة والألفة بين أفراد المجتمع حماية لاستقرار الوطن.

لا نشك في عدالة القضاء السعودي غير أن بعض الاجتهادات الشخصية الخاطئة قد تسيء إلى قضائنا الموقر في وقت نحن نتطلع من هذه المؤسسة أن يكون لها دور في تحسين الثقافة المجتمعية القائمة على التصنيفات البغيضة.

قرار الزواج قرار فردي بين أطراف محددة، رجل وامرأة وولي أمرها، غير أن مجتمعنا يصر على جعله قرارا أسريا قبليا حين يضع الولي اعتبارات لكلام الناس، ومنهم أسرته و«حمولته» ومعارفه وقبيلته، فيما لو أقدم على تزويج فلان أو فلان. حين تتفق أطراف الزواج الشرعية، لا يعُود لأحد التدخل سواء عم أو ابن عم أو من يلحق بهم في جد خامس وسابع وعاشر أو نائب قبيلة أو شيخ شمل.

قضية التجمعات القبلية المذكورة قد تعقبها مثيلاتها في بقية المناطق لأن المنادين بهذه النعرات يتكئون على أحكام قضائية مماثلة صدرت سابقا، غير أنهم في حائل أضافوا البُعد التقني حين أساؤوا استخدامها بممارسة التصوير والنشر الإعلامي وإنشاء الوسوم على شبكات التواصل الاجتماعي، وهذه قضية أخرى مجرّمة قانونا.

لا شك أن مفهوم الطبقية سائد- نسبيا- في كل المجتمعات، المتخلف منها والمتقدم، وهو أمر طبيعي لا ينكره أحد، ولا يمكن القضاء عليه بالكلية، إنما يُعمل على تحسينه، غير أن المهم هنا هو عدم إقدام المؤسسات القانونية على إقرار تلك التصنيفات الطبقية، بل على أساس المواطَنة دعما لمفهوم «الدولة الحديثة».