قبل أيام قليلة كنت أجلس في مكتبي كالمعتاد أحتسي قهوة الصباح استعدادا ليوم حافل مليء بالمواعيد الهامة والأعمال العاجلة، وأثناء تلك اللحظات وأنا أحاول تصفية ذهني للشروع في العمل إذ يرن جرس الهاتف النقال ويومض برسالة تحمل نعيا لأحد الأحباب، حينها شعرت بحزن عميق وأقفلت باب المكتب مطرقا التفكير في اللحظات الجميلة التي جمعتني بالفقيد، وتساءلت في قرارة نفسي عن آخر مرة قضيت بها بعض الوقت معه، وشعرت بالخجل من نفسي حين أدركت مدى تقصيري وطول المدة التي لم أزره بها، واسترسلت في التفكير، ترى لماذا حين يصلنا خبر رحيلهم عنا تتداعى إلى أذهاننا تلك المواقف التي جمعتنا بهم بحلوها ومرها، وتتجلى صورتهم بازغة كشمس الأصيل جميلة هادئة، فلا شعاع ولا لهيب بل لوحة جميلة تأذن بالمغيب؟.

لماذا حين يرحل الأحباب نسمع صدى ضحكاتهم وأصوات ندائهم فينساب حبل الذكريات ونجد أنهم يسكنون وجداننا بشكل لم نتصوره حين كانوا معنا على قيد الحياة؟

حينها ندرك تماما أن جدول أيامنا المزدحم بالأعمال والمواعيد والهموم وكثيرا من الأمور التي كنا نلهث وراءها ونوليها كثيرا من الاهتمام هي في الحقيقة لم تكن بتلك الأهمية التي كنا نتصورها، كثيرا ما يسرقنا الوقت دون أن نعي لنجد أن الساعات قد أضحت أياما، وأن الأيام قد تحولت لأسابيع ثم لشهور فسنوات، نحن نظن دائما أن أمامنا متسعا من الوقت، دائما نظن أن هنالك متسعا من الوقت، والحقيقة أن الوقت لم يكن يوما بين أيدينا بل هو أشد تفلتا من الإبل في عقلها إن صح التعبير.

وإذا ما تساءلنا كم كان ينتظرنا ذلك الأب أو تلك الأم، ذاك العم أو العمة، ذاك الخال أو الخالة، ذاك الأخ أو الأخت أو الصديق الخ.. ونحن نختلق العذر تلو العذر لوجدنا يقينا مدى تقصيرنا، وعذرا أيها القارئ العزيز إن كنت قد أفسدت لك يومك بمقالي هذا، ولكن صدقني أن يتعكر مزاجك بمقال قرأته خير لك من توجيه سهام اللوم إلى نفسك عند رحيل أحد الأحباب لا سمح الله، هي دعوة صادقة مني لأن يفتش كل منا عمن أطال عنه الغياب ويقضي معه ساعات من الضحك حتى الثمالة، فساعات العمر محدودة.