في حوارٍ مع بعض الشباب وفقهم الله، قال لي بعضهم من من يُحسن الظن ببعض الدعاة الحركيين، قال وهو يتحدث عن الأحداث، ويقرأ ويسمع ما يُقال: هل السكوت جريمة؟

فقلت له: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا، أو ليصمت)، هذا هو الميزان الشرعي الصحيح، ولكن الحركيين الصامتين - هداهم الله- لم يقولوا خيرا، ولم يصمتوا عن الشر، وإنما صمتُّوا عن الحق، وتعلم وفقك الله أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، كما أن المُتكلم بالباطل، شيطانٌ ناطق، وهم جمعوا بين الأمرين.

تكلموا في إثارة الناس على حكامهم فيما يُسمى «الربيع العربي»، وتدخلوا في ما لا دخل لهم به من أمور الدول، فصار عاقبة كلامهم سفك الدماء، والخوف، والجوع، وكلامهم الباطل في ذلك مُوثق بالصوت والصورة.

وتكلم بعضهم في تهييج الشباب، وزجِّهم في أماكن الصراع، فمنهم مَن قُتِل تحت رايات عِمِّية، ومنهم مَن أُعيد إلى وطنه ومجتمعه وأهله ليقتلهم، بعد أن تم تعليمه التكفير، وملء قلبه حقدا على وطنه، وفق التوجيهات الاستخباراتية المُعادية.

وتكلم بعضهم بأهمية التكاتف مع قيادات بعض الدول التي يتعاطفون معها حزبيا، ودعوا للسمع والطاعة لهم، وحذَّروا من الثورة عليهم، وأشغلوا الناس في تويتر وغيرها من وسائل التواصل، مع أن ذلك خارج الحدود، وليس هذا من شأنهم، لكنهم لا يُحسنون الصمت عما لا يعنيهم.

وأكثروا الصخب والضجيج والجمهرة والتداعي، بما يسمونه إنكار المنكرات، والواقع أن ما يفعلونه هو المنكر، وإنكار المنكر كما هو معلوم من واجبات الإسلام، وأحد الأسس التي تقوم عليها دول الإسلام، كما قال تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)، ولا يكره هذه الشعيرة إلا من في قلبه مرض، ولكن مما يجب أن تعلمه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له أساليبه وطرائقه الشرعية، ليس منها التجمعات وتصويرها ونشرها، وإنما هذا من شأن من يحب لفت الأنظار، وتهييج الناس، واتخاذ الدين وسيلة للإثارة، كما هو مسلك ابن سبأ اليهودي، الذي قال لمجموعته: (ابدؤوا في الطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تستميلوا قلوب الناس)، وكما هو مسلك ذي الخويصرة التميمي، الذي أصابه الغرور، وادَّعى الغَيْرة على أموال المسلمين، وأنه يريد تحقيق العدل، فاتَّهم والعياذ بالله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم العدل، وقال بكل صفاقة: (اعدل يا رسول الله فإنك لم تعدل. قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل»، وهذا الخارجي يخرج من ضئضئيه قوم على نفس منهجه، ولهذا لا نستغرب من بعض أتباع ذي الخويصرة في زماننا من المعارضين في الخارج ونحوهم عندما يتحدثون عن العدل والأموال، ويتخذون ذلك وسيلة للتهييج، لا نستغرب ذلك منهم، فمن طعن بعدل رسول الله، وهو المعصوم عليه الصلاة والسلام، من باب أولى أن يطعن بغيره، ممن هو مظنة الخطأ، وليس بمعصوم؟!

فهؤلاء الحركيون الذين يتكلمون في كل شيء، لما جاء أمر يوجب دفع الصائل والمشاغب على وطننا المملكة العربية السعودية، صمتوا صمت القبور، وقالوا: هل السكوت جريمة؟ وأنت وفقك الله تُردد قولهم: هل السكوت جريمة؟ نعم سكوتهم جريمة وخيانة؟

ولو كان السكوت هو دأبهم لكان مُتَفهَّما، فإن من الناس من يسكت لعدم علمه، أو لاجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد أن السكوت أولى، أما الحركيون الذين جرت العادة أنهم لا يسكتون، وإنما في كل واد يهيمون، وفي كل موضوع يتحدثون، حتى وإن لم يُحيطوا به علماً، فسكوتهم مريب، لماذا صمتوا بالذات عن قضية وطنية؟ يسمعون من يخطط لتقسيم وطنهم، ولا يردون بكلمة واحدة، كيف يصمتون عن جناية واضحة ضد وطنهم؟ ويدافعون عن أوطان ليست أوطانهم، يدافعون عنها إذا كانت تحت ولاية فلان، ويهاجمونها إذا كانت تحت ولاية فلان، مع أن ذلك ليس من شأنهم، هذا هو موضع العجب، ولتعلم وفقك الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالرد على الظالم، ولما قال أحد المشركين في غزوة أحد اعْلُ هُبَلُ، قال النبِي صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه»، قالوا ما نقول؟ قال: «قولوا الله أعلى وأجل»، ولما قالوا: لنا العزَّى ولا عُزَّى لكم، قال النبِي صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه»، قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم»، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم دافع عن من ظُلِم ولو كان حيوانا، ففي صلح الحديبية، قال الناس: خلأت القصواء، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما خلأت وما ذاك لها بخُلق، ولكن حبسها حابس الفيل)، قال ابن القيم في الحديث من الفوائد: رد الكلام الباطل ولو نسب إلى غير مكلف فإنهم لما قالوا: خلأت القصواء يعني حرنت وألحت فلم تسر، فلما نسبوا إلى الناقة ما ليس من خلقها وطبعها رد عليهم وقال: ما خلأت وما ذاك لها بخلق. ثم أخبر صلى الله عليه وسلم عن سبب بروكها وأن الذي حبس الفيل عن مكة حبسها للحكمة العظيمة التي ظهرت بسبب حبسها وما جرى بعده.