في يومنا الوطني السابع والثمانين يحق لي زيادة نسبة غزلي وعشقي له، والتشبيب فيه، فهذا غزل وعشق محمود لا يعاب فيه أحد، ولا يعيبه إلا من في قلبه مرض. ولا تلمني في ذلك فقد شغفني حبا جماً، لا يضاهيه حب زليخة ليوسف عليه السلام! فحبه من الإيمان وعشقه واجب ودين علي.

 وطني ليس قطعة أرض غنية بالذهب الأسود في خارطة العالم، تحدها حدود، وليس مأوى يضمنا على ثراه، وليس كنزاً نقتات منه، وليس اسماً نردده ونتغنى به في نشيده الوطني في مدارسنا كل صباح! إنه أكبر من ذلك بكثير. إنه علامة فارقة في خارطة الدنيا وواسطة عقدها. إنه الكلمة الطيبة التي تجمعنا على سواء، أصلها ثابت حباً، وولاء له، وفرعها في السماء. إنه قبلة يتجه إليها المسلمون في صلاتهم. وهو السلام والأمان الذي نتفيأ ظلالهما، وهو أواصر الوحدة التي تربط شرقه بغربه، وشماله بجنوبه، وتوحد جهاته الأربع بأواصر الإسلام، واللغة، والقربى. وهو الأمل الذي نعيش به، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!

 في وطني مميزات جد كثيرة، فيه أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين. فيه المسجد الحرام، وزمزم والحطيم، والركن والمقام، والحجر والصفا والمروة، والثرى الذي وطئته أقدام خير الورى محمد المصطفى عليه الصلاة والسلام.

 فيه مسجد خير من دعا الناس في الطائف، وفيه قبره الشريف، وبقيعه المنيف الذي احتضن صحابته الميامين، الأنصار والمهاجرين خير القرون، والأئمة أصحاب الحق المبين، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.

 وطني عبق التاريخ ورحيقه، تاريخ انطلاق الدعوة المحمدية، دعوة السلام والأمن والأمان، تاريخ أول دولة إسلامية، دولة الرسول - صلى الله عليه و سلم - التي حملت مشاعل الهداية إلى العالم. إن نصاعة تاريخه رد مفحم على الذين أنكروا حضارته وتاريخه! ويكفيه فخراً أن إبراهيم عليه السلام دعا له: «رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر»، ورفع قواعد البيت العتيق، وأقسم الله – عز و جل - بالبيت المعمور المزدان بالركع السجود.

 وطني لا يوم كيومه الوطني، فحين ولد ما يسمى بالربيع العربي في بعض الدول العربية صار صيفاً لاهبا في بعضها، وحريقاً في بعضها، وأزهر في وطننا، وأينعت ثماره أمناً وتمسكاً بوحدته وقيادته، وعلا صوته، وهدأت الأصوات الناشزة من المتطرفين والإرهابيين والتكفيريين. لقد علمنا الوطن أنه في شدائده تخسأ شياطين الغدر، فلا تسمع لهم همساً، فلا نقيم لهم وزناً.

 يومنا الوطني رسالة حب وولاء وانتماء للوطن ولقيادته الرشيدة، ورسالة مشاركة في بنائه، ودعوة لمن حاد عن طريقه من الإرهابيين والتكفيريين بالعودة عن غيهم، ودخول خيمته، وركوب سفينة نجاته لعيش مشترك في ظل وطن متعدد الأطياف، والمذاهب، والآراء، والأقاليم، والقبائل على ثرى المملكة العربية السعودية.

 في يومنا الوطني حصحص الحق لمن أراد بنا، وبوطننا سوءاً من الإرهابيين، والمرجفين، وغيرهم، وأقول لهم: إلى الله المشتكى، فوالله لا تمحون ذكر وطننا، ولن تميتوا حبنا له، وهل رأيكم إلا فند، وأيامكم إلا عدد، وجمعكم إلا بدد، فالحمد لله الذي أمننا فيه، وختم لقتلانا بالشهادة، وسنفديه بأرواحنا، وأنفسنا، وأموالنا، وأهلينا؛ لنموت ويحيا شامخاً في ذرى المجد والعز، فوطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه.