نقد الأشياء، عند البعض، يعني إظهار المعايب والمثالب؛ مع أن النقد يحتمل أيضا إظهار المحاسن والفوائد، والتفكير النقدي من آكد الأمور التي تحتاج إلى توضيح المعنى المراد منه، وأنه لا يعني قبول الشيء دون تبين، وتمحيص، وتثبت، وعكس ذلك يعني الاستسلام للأفكار، وتعطيل التفكير، وهذا لا شك أنه من السلبيات التي يجب التحرر منها..

يقول خالقنا سبحانه وتعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، فمع أن جوهر الآدميين واحد، إلا أنه سبحانه خلقهم مختلفين، أي أن لكل فرد شخصيته التي تميزه عن غيره، والتي يجب عليه أن ينميها، ولا يسمح بأن تكون ملغاة، وعليه أن يحذر من أن يكون في صفوف الإمعات؛ يقول صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي حسنه الإمام الترمذي: «لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا ألا تظلموا»..

التفكير النقدي جعل الإمام البخاري يكتفي بحوالي تسعة آلاف حديث فقط، بعد أن قام بجمع أكثر من نصف مليون حديث شائع، وهو أيضا الذي جعل عباس العقاد، يؤلف كتابه القيم (التفكير فريضة إسلامية)، ويقول فيه: «بما أن الدين الإسلامي لا يعرف الكهانة، ولا يتوسط فيه السدانة والأحبار، والعلاقة بين الخالق والمخلوق؛ كان لازما أن يتجه الخطاب إلى عقل الإنسان حرا طليقا من سلطان الكهان»، ويقول: «الإسلام دين يوكل فيه النجاة والهلاك بسعي الإنسان وعمله، ويتولى الإنسان هدايته بفهمه وعقله»، ويقول أيضا: «الإسلام لا يتقبل من الفرد أن يلغي عقله ليجري على سنة آبائه وأجداده، ولا يقبل منه أن يلغي عقله خنوعا لمن يسخره باسم الدين في غير ما يرضى العقل والدين»..

التفكير النقدي عمل إيجابي، وممارسته تجعل لحياتنا معنى، والعقلية النقدية عقلية تستحق الاحترام، خاصة إن كانت منفتحة على الجميع، وما كان موافقا للحق قبلناه، وما كان غير موافق له رفضناه، وتعليمنا ذلك لأبنائنا وبناتنا يؤمنهم من الوقوع ضحايا في أيدي المتطرفين، والجامدين، والمنغلقين، وسيمكنهم من دفع عجلة التنمية، وتحقيق الآمال، وتغيير ثقافة التدين الخاطئ، وإثبات أن التدين الحق هو التدين الباعث للحيوية، والقادر على توصيل الناس لتحقيق طموحاتهم.