الفلسفة في أبسط تعريفاتها هي أن نفكر كيف نفكر، أما المنطق فهو أيضا في أبسط تعريفاته طريقتنا في التفكير السليم، أما ما يتم التوصل له عبر الفلسفة والمنطق فهو نفس ما يمكننا التوصل له دون دراستها ولكن باحتمالات خطأ أكبر، ولذلك تصبح دراستها وسيلة للوصول إلى النتائج الأقرب للصواب.

نظرية الألعاب هي إحدى وسائل فهم المجتمع الإنساني التي تطورت من خلال الفلسفة والرياضيات، ولها تطبيقات تربوية ويمكننا الاستفادة منها في تنشئة الطلاب، وهي ببساطة تشير اجتماعيا إلى التفكير بمنظور الألعاب والتعامل مع القضية داخل ملعب، فكل شيء هنا يخضع لقوانين الألعاب، وعند المقارنة بين كرة القدم وبين رغبة التفوق أو النجاح في الحياة فسوف نجد أهم معاني الكفاح مثل النصر والهزيمة والاستعداد والتدريب والمباغتة والكتمان والسرية والخداع وفق القوانين والضوابط الأخلاقية، مع العمل الجماعي والتخلص من اللاعب الضعيف لمصلحة الجماعة والتميز بالروح الرياضية.

أما البراجماتية فهي فلسفة انتشرت في أواخر القرن التاسع عشر في أميركا وجاءت انعكاسا لطبيعة المجتمع الأميركي، وهي مفهوم بلوره عدد من الفلاسفة، على رأسهم جون ديوي، باعتبارها فلسفة إيجابية تقوم على حل المشاكل، وهي تختلف جذريا عن مفهوم الوصولية التي تشير إلى أن الغاية تبرر الوسيلة، والتي بلورها الإيطالي ميكيافيللي وكانت بدورها انعكاسا من تجربته داخل مجتمع فلورنسا الإيطالي.

أما المنطق فهو من أوائل مواضيع المعرفة الإنسانية وبدأت نقاشاته البارزة عند فلاسفة الصين، وبرع فيه فلاسفة اليونان وطوره فلاسفة العرب وانتهى مع عبدالرحمن بن خلدون إلى تطبيقه على التحليل الاجتماعي، وهي رحلة تطور بشرية في طريق العقل.

قوانين ومواضيع المنطق لا يزال يظنها التراثيون هي الاستمرار في نقاش منطق أرسطو وآلة القياس واستحضار آراء ابن تيمية في نقض المنطق، وكأننا ما زلنا في القرن الميلادي الحادي عشر، بعد أن قطع العلم شوطا طويلا وصلنا فيه إلى مرحلة استخدام مناهج البحث العلمي، وبلورنا معها مبدأ الفرضية والنظرية وأسسنا الطرق المنهجية القابلة للتعديل والنقاش لكي تساعدنا في الوصول إلى النتائج التي يتوصل لها العلم في كل يوم.

هناك الكثير مما يمكن تعلمه في قوانين المنطق والمغالطات المنطقية ومهارات التفكير ونظرية الألعاب باعتبارها وسائل نقاش مستمر تساعد على بناء عقلية مستنيرة قادرة على الاستفادة من الآخرين وناجحة في التعامل مع المعطيات، سواء كان ذلك عسكريا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، وهو ما تقوم به المراكز العلمية في هذه المجالات، وهو ما نستقدمه كمواد علمية دون العودة إلى الجذور المؤسسة التي صنعت تلك المواد.

هذه القوانين والمبادئ تحاكي سلوك القادرين على التفوق والنجاح في كل مكان، ويظل تعليمها في مدارسنا مع الأمثلة والتطبيقات والنقاشات وسيلة تساعدنا ضمن وسائل كثيرة للوصول إلى مجتمع يملك قدرات تفوق ذاتي أقل اعتمادية على مراكز العلم الدولية.

هناك فلسفات عبثية مثل العدمية التي برزت في مرحلة صراعات عسكرية مدمرة كانت بدورها انعكاسا لحالة الدمار الذي عاشته أوروبا في بداية القرن العشرين، وعلى رأسها الفلسفات الإجرامية، مثل النازية التي نتجت عن فهم متطرف لنظرية التطور، وقد ظهرت معها فلسفات أخرى مثل الوجودية التي حاول فلاسفتها تقديم تصور للحياة يشير إلى أنها هي ما نشعر به، وهي من الفلسفات التي لم تصمد لعدم جدواها، ولا يبقى إلا ما ينفع الناس. فليس كل ما يناقش فلسفيا له قيمة، وليس كل ما أنتجه العقل الغربي عبثيا وينبع عن مؤامرة كونية، ولا يجب أن تكون الفلسفة وسيلة تخريب وتنكيد أو صنعة فنية تهدف إلى الترف المعرفي، بل وسيلة لحياة أفضل.

يظل الإنتاج الغربي الفكري في كثيره عالميا أسهمت فيه الحضارات الإنسانية المشتركة واستمرت في إثرائه، وكما قيل فظهور العلمانية كانت من بذوره الفلسفات العربية التي قادها أمثال ابن رشد، لفض الاشتباك بين الدين والفلسفة لتنتقل محاولة فض الاشتباك بصورة أوضح لدى فلاسفة الغرب بين الدين والدولة. كما أن الفكر الشرقي الحديث ألقى بأثره الكبير على تطور الفكر الغربي، وهو ما انعكس مثلا في دراسة الأميركيين لمعالم التفوق الياباني في الجودة ودراسة فلاسفتها لما أطلق عليه بالتنوير القادم من الشرق، فالفكر الغربي، وإن كان ذاتيا، إلا أنه عالمي منفتح على كافة الثقافات الإنسانية.

كما أن المفاهيم الفلسفية تحاكي الواقع، فعندما نتحدث عن البراجماتية أو نظرية الألعاب فنحن نتحدث عن مبدأ يفسر سلوك فئة من البشر، سواء كانوا سعوديين أو أميركيين أو كانوا مسلمين أو نصارى، وما زلنا عربيا بحاجة إلى العودة لنقاش المبادئ والمفاهيم الكبرى نقاشا عقلانيا تطبيقيا علميا يتوخى المصلحة البشرية التي يقتضيها التشريع الإسلامي.

تدريس هذه المبادئ للناشئة لن يشكل خطرا على ثوابتنا ومعتقداتنا مقارنة بالخطر الذي يتشكل نتيجة الجهل وتسليم عقل المجتمع للأقدر على تحويله وقودا للصراعات البدائية. وهي وسائل تساعدنا أيضا في اختصار الطريق والجهود والإجابة عن سؤال لماذا هم متفوقون، وكيف يمكن أن نخطو سريعا لمنافستهم في التفوق؟