يقول ابن خلدون «إن تنظيم الحياة الاجتماعية وتصريف أمور الدولة والشعب يتطلب الرجوع إلى قوانين مفروضة، يحترمها الجميع وينقادون لأحكامها». ولعل من أهم ملامح القصور في العقل البشري أننا لا نستطيع في كثير من الأحيان التفرقة بين الأصول الثابتة والمبادئ المتوارثة وبين التصلب الفكري المذموم لمبدأ أو مطلب شخصي. وفي دولة مثل المملكة العربية السعودية نجد أنها سنت القوانين والشرائع لمعظم أمور الحياة، وأن هذا التسنين أخذ في الاعتبار القرآن الكريم والسنة كمرجعية ومصلحة ورفاهية المجتمع كهدف. ويقال إذا أردت أن تُدَمِّر حضارة ما فما عليك إلا أن تزرع العنصرية والفوضى والطائفية، وهي كفيلة بتحويل تلك الحضارة إلى أثر بعد عين. ومما لا شك فيه أن العنصرية واعتناق الأفكار المريضة تجعل العقل منغلقا على نفسه ورافضا لروح التسامح والاعتراف بالصواب والخطأ. في الأسبوع الماضي صرح مصدر مسؤول برئاسة أمن الدولة أن الجهات المختصة ضبطت عددا من الأشخاص بسبب التأليب على الشأن العام وتأجيج المشاعر تجاه قضايا لاتزال محل نظر أو تجاه مصلحة اقتضتها حاجة الناس. ولا نعلم من المستفيد من إثارة الفوضى ونشر الفرقة على وسائل التواصل الاجتماعي. ويستغرب السواد الأعظم من المجتمع خوض بعض الفئات في شؤون تختص بالنظام والقيم الدينية والآداب العامة وحرمة الحياة الخاصة، ويتساءلون إن لم يكن هؤلاء هم أعداء الوطن فمن هو العدو؟
تطرق الزميل الدكتور على الموسى في أحد مقالاته إلى أن جازان ظلت تحتفظ بغصن الزيتون وحمامة السلام في ظل بعض الحوادث التي شهدها الوطن من إرهاب وعنصرية وتشدد. ولعل ذلك مرجعه أن جازان يطغى على غالبية أبنائها حب الأدب والفكر والبساطة والتسامح. إلا أننا نرى أن ذلك الغصن يحمله كل مواطن في أرجاء هذا الوطن.
وَ أخيرا وطَننُا أمانة والمتربصون كثر، وفي الجوار عظة وعبرة، وما يذهب لا يعود، والصحوة خير من الحسرة والتباكي، فهل من أمل أنْ تتنازل هذه الفئة عن عُنصريتها، وأن تهجُر تَشدّدها وأن تصادر أفكارها المريضة وأن تحَكِّم عقولها ليجْمعها (حب وطن).