كان أمراً متوقعاً، وربما محموداً ألا يترافق الإعلان عن نتائج الاستفتاء الكردي الذي جرى في 25 سبتمبر المنصرم، بأي خطوات سياسية أو عملية انفصالية عن العراق من طراز «إعلان الاستقلال». لكن وعلى الرغم من ذلك لا تزال ملابسات وتوقيت وتداعيات هذه الخطوة الكردية تثير قوس إشكاليات تتجاوز طموحات كرد العراق لتشمل عموم الكرد في الشرق الأوسط، وعلاقاتهم مع القوميات والدول الإقليمية المجاورة.
وتجنباً لمساوئ ومخاطر النزعات الشوفينية و«القومجية» ومحاولات إثارة النعرات والأحقاد التاريخية، لا بد من الحذر الشديد من التسرع في إطلاق الأحكام وعقد المقاربات والمقارنات غير الدقيقة التي تقود إلى نتائج مضللة تترتب عليها سياسات خاطئة.
ولعل من أبرز المقاربات المضللة «الاستشراقية» المسوقة في الإعلام الغربي، فهي التي تقول إن الأكراد هم الأمة الوحيدة في العالم التي لم تنل حقها في الوحدة القومية والسياسية. وتخصهم وحدهم بأنهم ضحايا القتل، والإبادة، والحرمان في العراق، مستشهدة بمجزرة حلبجة الكيماوية التي قتل فيها خمسة آلاف كردي. بينما الحقائق والوقائع تثبت أن العرب هم الأمة الكبيرة الوحيدة في العالم التي لم يسمح لها باستكمال وحدتها السياسية والقومية. كما قتل في حروب صدام العبثية و«البعثية» أكثر من مليون عراقي عربي.
ويتم تناسي واقعة استعانة مسعود بارزاني بجيش صدام، لإنقاذ عاصمته أربيل، من قوات خصمه جلال طالباني في حرب أهلية كردية قتلت وجرحت ألوف الأكراد، بعد حصول كردستان على «حكم ذاتي» مستقل في تسعينات القرن الماضي. وتناسي قيام الكرد بتوسيع مساحة كردستان العراق بمعدل 40 في المئة، باحتلال المناطق العربية. في عام 2014 والتركمانية. والآشورية - والكلدانية. وحرمان العراق من موارد أكبر بئر نفطية في العالم، تنتج 400 ألف برميل من النفط يومياً، علماً بأن عدد العرب والتركمان يصل إلى 60 في المئة من سكان المحافظة والمدينة.
ومن نماذج نتائج المقارنات الخاطئة، الزعم بحتمية التحول التلقائي لـ«دولة كردستان العراق المستقلة» في حال قيامها، إلى إسرائيل ثانية أي «كردائيل». وتجاهل هذه النتيجة الفاسدة الحقيقية والحق، وذلك لاستنادها إلى مغالطات ومعتقدات وأوهام تتعلق بوجود نمط من التماهي بين الحركة القومية الكردية والحركة الصهيونية وصل إلى محاولة القادة الكرد تقليد الصهيونية فكراً وممارسة، أي «كردستان الكبرى» على غرار «إسرائيل الكبرى»، والسير على خطى قادتها من أمثال ديفيد بن غوريون وإسحاق رابين.
ومما يدحض هذا الزعم أن كُرد العراق وتركيا وإيران وسورية ليسوا شعبا غريبا أتى ليستوطن بلادا ليست بلادهم باسم حق إلهي مزعوم. وفي الوقت نفسه الكرد ليسوا بمنزلة الفلسطينيين الجدد، أي لا يمكن «فلسطنة» الكرد واعتبار «كردستان الكبرى» هي «فلسطين جديدة». إذ لم يتعرض الكرد لحملات تطهير عرقي وطرد و«ترانسفير» على غرار ما تعرض له الفلسطينيون من سياسات تهويد فلسطين أرضاً وشعباً وسوقاً. بل كانت معاناتهم أقل من الفلسطينيين، واقتصرت على انتقالهم القسري بين مناطق «كردستان الكبرى» المفترضة جغرافياً التي تتقاسمها دول رئيسة هي: العراق وتركيا وإيران وسورية، لأسباب جيوبوليتيكية ومصالح حيوية خاصة بكل دولة من تلك الدول.
وعلى المستوى الشعبي والمجتمعي هناك خصوصيات وتمايزات بين الكرد والعرب من جهة أولى، ومن جهة ثانية هناك شراكات في التاريخ والمصير، فثمة قادة وشخصيات كردية لعبت أدواراً سياسية وثقافية مهمة عمقت الوطنية والأخوة الكردية-العربية، وكبحت النزعات الانتقامية بعض المرارات الكردية من العرب.
وإجمالاً، إن مسؤولية اضطهاد الكرد وقمعهم تقع على كاهل الأنظمة التي تضطهد شعوبها، فالكيميائي لم يستخدم ضدَّ الكرد في حلبجة فقط، بل استخدم في غوطة دمشق أيضا وضدَّ الشعب السوري.
كما أن حالات فض الاشتباك مع إسرائيل وإنجاز تسويات ومعاهدات واتفاقات سلام معها مثل: اتفاقات «كامب ديفيد» و«أوسلو» لم تجلب للعرب والفلسطينيين الخير والرفاهية والاستقرار الداخلي. ولذلك على الكرد تجنب الوقوع في فخ الاستقواء بإسرائيل والعلم الإسرائيليّ وإظهار حماسة استثنائيّة في حب إسرائيل.
ولعل النموذج التشيكسلوفاكي الناجح وظهور دولتي «تشيكيا» و«سلوفاكيا» قد يصلح للدراسة والاستنساخ في حالة كردستان العراق، لكنه يتطلب إنجاز استفتاء معاكس للعراقيين موضوعه الرئيس هو هل يؤيدون حل دولتين عربية وكردية في العراق قائمتين على حسن الجوار والاحترام المتبادل أم يؤيدون ولايات متحدة عراقية؟.