عندما تقرأ تاريخ دول مجموعة العشرين فلا شك أنك ستجد أكبر دولتين اقتصاديتين بينهما تحالف هما الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ولكن عندما أدار الملك سلمان ـ حفظه الله ـ مؤشر التنوع الاقتصادي وجد أن النظير الأحمر والاتحاد الروسي هو خيار جيد يمكن للمملكة أن تبُادَلَه نفس المصالح متى ما صدقت نوايا الاتحاد الروسي ووضع ميزان الإنصاف في قضايا العالم التي تبادله السعودية بصدق ووضوح هاجس حل مشاكل الشرق الأوسط أولاً، وقضايا السلم في العالم، حيث تحتل المملكة مكانة مرموقة في مجال تحقيق العدل والسلم الدوليين على مر تاريخها منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، وإذا عدنا إلى العلاقات السعودية الروسية نجدها عميقة في التاريخ، وترجع إلى ما قبل توحيد المملكة في عام 1938 عندما كانت هناك ممثلية في جدة لمتابعة حجاج الجمهوريات الإسلامية والأقليات المسلمة في روسيا، ثم تطورت في عهد الدولة السعودية الثالثة في عهود الملوك حتى وجدنا الزيارات المتبادلة بين البلدين حتى آخر زيارة قام بها سمو ولي العهد نائب الملك الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا عندما وضع النقاط على الحروف، وبدأنا نلمس استقرارا اقتصادياً لمعامل النفط وأسعاره على مستوى العالم، وتوجها في أن تضع الحرب في سورية أوزارها، وتقوم المباحثات من جديد لمصلحة استقرار سورية وشعبها الشقيق ومحاولة ترتيب الوضع في سورية بعيداً عن الأسد، ثم إن التاريخ يكشف عن عدة زيارات لبعض الشخصيات والملوك السعوديين على مر السنوات الماضية، ورأينا قيام بعض المدارس السعودية في روسيا، واهتماما بإقامة علاقات مشتركة بين البلدين، وخصوصاً في مجال التكامل الاقتصادي، لقد حمل الملك سلمان في زيارته التاريخية أمام الكرملين عدة ملفات أُنجزت في جلسات تحضيرية، آخرها كما أشرنا زيارة سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يتطلع من الحكومة الروسية إلى رسم مسار جديد في علاقات اقتصادية متينة تسهم فيها روسيا كما هو حال اليابان والصين ودول الشرق الأقصى وغيرها للدفع برؤية المملكة عبر ملفات اقتصادية حملها الملك سلمان أمام نظيره بوتين في واحدة من أهم الزيارات التاريخية، التي نظر إليها الإعلام الروسي على أنها تضع دفة نجاح اقتصادي بين السعودية وروسيا، وهذا ما أشارت إليه الصحافة الروسية مثل صحيفة نوفستي ووكالة الأنباء الروسية (إيثارتاس)، والتي نقلت مشاعر روسيا تجاه العاهل السعودي المتمثل في الأقواس والأعلام والزينات التي استعدت للاستقبال، وشاهدناها في كبريات المدن الروسية، إن زيارة الملك سلمان لروسيا اليوم تعد بحق كما وصفها السياسيون تاريخية، تعطي مؤشرات قويةٍ على تغير المسار في إيجاد علاقات صداقة متينة يعود نفعها على البلدين الصديقين، هناك الاتفاقيات الثنائية التجارية والاقتصادية، وهناك تبادل للخبرات الإعلامية، وهناك وجهات نظر متبادلة تجاه عدة قضايا في المنطقة، ومنها قضايا المسلمين في روسيا، وقضية فلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني، ومحاربة الإرهاب الذي أجمع العالم على أنه لا يعرف وطناً ولا حدودا، واتفاق على كيفية التعامل مع قضية أسعار النفط والغاز، حيث تعتبر المملكة وروسيا من أهم الدول التي تسجل رأيَها في اعتدال السوق النفطية، ولعل ثبات الأسعار هذه الأيام في الأسواق العالمية كان نتيجة لتطابق وجهات نظر البلدين عندما نوقشت في زيارة ولي العهد الأخيرة إلى روسيا، يأتي سلمان الحزم اليوم ليعزز ويؤكد عمق هذه الشراكة والتكامل الاقتصادي والمعرفي بين البلدين الصديقين، إنها بحق زيارة تاريخية ترقبها الشارع الروسي منذ فترة فتحققت، ولعل قادم الأيام يؤكد النتائج الخيرة لهذه الزيارة الميمونة لخادم الحرمين الشريفين، دمت أيها الوطن دوماً بخير.