مرت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها بالكثير من المتغيرات الاجتماعية، ارتكزت أهمها على محرمات حذر منها البعض حتى أصبحت مع مضي الوقت حاجزا كبيرا يصعب على المجتمع قفزه، تلك المحرمات وضعت في الأساس على مبدأ سد الذرائع، ولم تكن تحمل أي أساسات دينية ولا ثقافة وعادات المجتمع السعودي، ولكن تحت نظرة المتشددين الذين يروجون لنظرية المؤامرة الغربية لتدمير عادات وتقاليد الشعوب العربية والإسلامية، وبالذات الشعب السعودي أصبح السواد الأعظم من المجتمع يخشى من تبعات أي تغيير في أنظمة وقوانين الدولة، ويعتبر أي تغيير هو نجاح للمؤامرات الغربية الكبرى، خاصة المتغيرات التي تحمي حق المرأة وتمنحها حريتها في أبسط مقومات الحياة، مثل حقها في التعليم الذي كان من المحرمات في المجتمع السعودي، وكان حاجزا كبيرا لم يستطع المجتمع قفزه حتى أكتوبر من عام 1359 حين أمر حينها ملك المملكة العربية السعودية بتعليم البنات، وكان نص الحكم يؤكد أن هذا الأمر سينفذ وفق الآلية التي تضمن عدم وقوع أي من المخاوف التي بسببها عارض رجال الدين تعليم المرأة مثل التأثير على معتقداتنا الدينية، أو التأثير على أخلاق الطالبات وعقيدتهم وعاداتهم، وكان الأمر الملكي في تلك الفترة نقطة تحول كبيرة في نمط وحياة المجتمع السعودي الذي اعتاد على مكوث المرأة في منزلها وعدم أحقيتها بالتعليم، أسوة بالذكور.
ولو ناقشت في هذا الزمن أكثر المتشددين أو بعض أفراد المجتمع المؤمنين بنظرية المؤامرة الغربية وبنظرية التحريم لسد الذرائع بحق المرأة في التعليم، لوجدنا أن إجابته تتوافق مع شريحة عريضة وساحقة من السعوديين في أحقيتها بالتعليم، وأنه من غير المنطقي منعها من حقها في ذلك حتى الابتعاث الخارجي للدراسة، ونجد السعوديات الآن ينافسن الذكور في مقاعد الابتعاث، ولا يوجد قانون يحدد نسبة المبتعثين والمبتعثات، وكلهم متساوون في حق التعليم دون أي عوائق أو عنصرية ضد الجنسين من قبل أنظمة وقوانين الابتعاث الخارجي، وهذا هو ما نراه الآن يتكرر في هذا العصر مع أمر الملك سلمان -حفظه الله ورعاه- بالسماح للمرأة السعودية بالقيادة ابتداء من 1439/10/10 هـ.
يتكرر لأننا رأينا بعض المحرمين والمعارضين والمحاربين لقيادة المرأة يؤيدون هذا القرار في وسائل التواصل الاجتماعي بمجرد إعلان الأمر السامي بالسماح للمرأة بالقيادة، بل أعلن بعضهم أنه لم يحرم قيادة المرأة سابقا، ومعهم الحق في ذلك فهم لم يحرموه سابقا فقط، بل جرموه وفسقوه وأوهموا المجتمع بأنه الطريق للرذيلة وانحلال المجتمع، وتفلت المرأة بين أيدي الذئاب الذين سينهشون جسدها ويسحقون شرفها، وكأننا مجتمع لا يمنعنا من الخطيئة لا أخلاق ولا تربية ولا قيم، ونترصد فقط خروج المرأة التي تقود السيارة لنمارس كل أنواع الجرائم والفحش والرذيلة.
خلال العقود الأخيرة في تاريخ المجتمع السعودي خلق البعض الكثير من الحواجز أمام أي متغيرات اجتماعية أو ثقافية أو حتى اقتصادية، ورغم علو كل تلك الحواجز إلا أننا كمجتمع قفزناها، ولم يحدث أي تغيير في قيمنا أو ديننا أو أخلاقنا، بل وجدنا أنفسنا أكثر ثقة في خطواتنا نحو مجتمع سليم وطبيعي، يسير بثقة لتحقيق رؤية مستقبلية طموحة رسمتها لنا قيادتنا ونطمح، كل في مجاله، إلى تحقيقها لبناء وطن قوي وواثق يواجه كل المتغيرات بثبات وقوة وشجاعة، لا يخشى على أمنه ومستقبل الأجيال القادمة.
قيادة المرأة كانت حاجزا وهميا كبيرا جدا أمام المجتمع السعودي، أخبرونا بالكثير من القصص المرعبة التي ستحدث لنا لو اجتزنا هذا الحاجز، وأوهموا المجتمع بالكثير من الويلات والمصائب التي ستحل بنا لو قفزنا حاجز قيادة المرأة الكبير، استغل كل المغرضين ضد الوطن هذه القصص للنيل من سمعة وطننا، ويكون هو السؤال صعب الجواب لكل المسؤولين في الدولة في المؤتمرات الصحفية خارج البلاد وداخلها. حاجز كبير اعتقدنا أننا لن ننجح في أن نقفزه خلال هذا العصر، ولكننا قفزنا هذا الحاجز بسلاسة بدعم من قيادة بلدنا، قفزنا هذا الحاجز رغم ارتفاعه وما يأتي بعده مجرد خطوات، خطوة نحو صوت أم كلثوم على تلفزيوننا الرسمي، وخطوة نحو السينما وخطوات فقط نحو المجتمع الطبيعي الذي نريده، مودعين خالقي الحواجز أمام التغيرات الطبيعية للمجتمعات.