إنجاز جديد حققته الشرعية اليمنية في جنيف بدعم عربي بقيادة المملكة العربية السعودية تمثل في نجاحها في إقناع هولندا وبقية الدول الأوروبية بمجلس حقوق الإنسان في جنيف، بسحب مشروع القرار الذي كان يدعو إلى تكوين لجنة تحقيق دولية في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، والموافقة على منح اللجنة الوطنية اليمنية التي شكلها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الفرصة لمواصلة عملها، مع رفدها بمجموعة من الخبراء الدوليين، لمساعدتها على القيام بعملها، دون وصاية أو إملاء أو إلزام. وتمثلت ملامح الإنجاز في تجنب تدويل الملف الحقوقي اليمني، وعدم السماح بفرض أجندة خارجية أبعد ما تكون عن مصلحة اليمن ومواطنيه، رغم التشدق بشعارات الإنسانية وحقوق الإنسان، وما إلى غير ذلك.

اللافت أن هولندا ومن معها من الدول الأوروبية التي كانت تنادي بإنشاء اللجنة الدولية، اضطرت إلى سحب مشروع قرارها بناء على ضغط قوي من المجموعة العربية وتعاون دول إفريقية استشعرت أهمية دعم موقف الشرعية اليمنية، وآمنت بعدالة مطلبها، وعدم ضرورة التسرع بتهميش اللجنة الوطنية اليمنية. وهذا التنسيق العربي الإفريقي يشكل أرضية صلبة يمكن البناء عليها مستقبلا لتحقيق قوة ضغط قادرة على مناصرة دول العالم الثالث، ودعم القضايا المشتركة، لا سيما الإنسانية والإسلامية منها.

كان واضحا من الدعم القوي الذي وفرته إيران لتمرير مشروع القرار الهولندي أنه يرمي إلى قلب الطاولة لصالح الانقلابيين، بعدة وسائل، منها سحب الثقة من اللجنة التي كونتها الحكومة الشرعية برئاسة هادي، إضافة إلى التسويق للمزاعم التي تروجها دوائر معروفة، وهي المزاعم التي لم تملك أي دولة أو منظمة أدلة على معظمها، ولم تستطع إثبات الكثير منها، إضافة إلى تسريع صدور قرارات ملفقة من اللجنة الدولية بتضخيم ما يجري في اليمن، وادعاء مسؤولية التحالف العربي عن سقوط ضحايا مدنيين، تمهيدا لاتخاذ قرارات أممية بفتح المطارات اليمنية أمام حركة الطيران العالمية، مع ما يستتبع ذلك من إمكانية تزويد الانقلابيين بالسلاح والأموال.

المخطط كان يرمي إلى أكثر من ذلك، فبعض الدول التي وقفت وراء مشروع القرار كانت تفكر في تعيين مبعوث دولي جديد إلى اليمن، بدلا عن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ليقوم بتغيير حقيقة الأوضاع على الأرض، بهدف تمرير قرار دولي بتمرير صيغة حل غير عادل، تمثل نكوصا على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، ويضع الانقلابيين في خانة الضحايا، وصولا إلى فرض الأمر الواقع على الحكومة الشرعية.

ربما لا يرى المتابع العادي فرقا بين مشروع القرار الذي تقدمت به هولندا والدول الأوروبية، والقرار الآخر الذي تم إقراره، إلا أن هناك فروقا كبيرة بين الاثنين، من الناحية القانونية، فالأول كان يدعو لتشكيل لجنة بواسطة مجلس حقوق الإنسان، تكون تقاريرها نهائية وقراراتها ملزمة، ويمكن أن تضع اليمن بأكمله تحت دائرة الخطر، عبر فرض وصاية المجلس عليه، بينما ينص القرار الذي تمت إجازته على أن يشكِّل المجلس لجنة خبراء دوليين، تعمل بالتنسيق مع اللجنة الوطنية اليمنية، وترفع لها تقاريرها، ولا تكون توصياتها ملزمة، وبذلك تحتفظ الحكومة الشرعية بسلطتها وسيادتها على الدولة.

من الإيجابيات في القرار الجديد أنه كشف حجم الخلافات وسط الدول التي تسعى لتدويل الأزمة في اليمن، وتحاول استغلال الحرب التي تجري لتحقيق مصالح خاصة، فبينما وقفت هولندا وبعض الدول الأخرى خلف محاولات التدويل وسحب البساط من تحت أقدام الحكومة الشرعية، فإن دولا أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا اتخذت مواقف أخرى أكثر عقلانية، عندما دعت إلى عدم تعدد لجان التحقيق، والاتفاق على لجنة وطنية موحدة تقوم بما هو مطلوب منها بشفافية ومهنية وحيادية.

ومن الأهمية التذكير بأن الدول المكونة للتحالف العربي العامل في اليمن لم تزعم عدم وقوع أي ضحايا مدنيين نتيجة للعمليات، فهذا لا يعقل، ومعلوم بداهة أنه طالما كانت هناك حرب فإن وقوع أبرياء يبقى احتمالا واردا، حسب ما تؤكده أبسط بديهيات العقل، إلا أنها تبقى حالات محدودة غير متعمدة، وقعت نتيجة احتماء المقاتلين الانقلابيين بالمدنيين، وتمركزهم وسط الأحياء السكنية، لاتخاذ المواطنين دروعا بشرية، وهي حالات تمت معالجتها بأساليب كثيرة، ونتفق جميعنا بالتأكيد على الامتناع عن مهاجمة أي هدف، مهما كانت أهميته، طالما كان يتمركز وسط مواقع مدنية، إضافة إلى تعويض معظم الضحايا عن أملاكهم ومساكنهم التي تضررت من العمليات، وقد أكد صحة هذه الوقائع عدد من الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.

كذلك يبقى من المشروع التساؤل عن الدور الذي لعبته تلك الدول التي تتباكى على سلامة المدنيين في اليمن، والجهود التي بذلتها لإرغام المتمردين الحوثيين على القبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإلزام الجهات التي تمدهم بالسلاح، وفي مقدمتها إيران، بالكف عن ذلك، فلا يستقيم منطقا أن يكتفي البعض بالوقوف موقف المتفرج على ما يقوم به طرفا الانقلاب من تجاوزات بحق اليمنيين، ومحاصرتهم للمدن، وقتل سكانها بالتجويع وانتشار الأمراض، بعد رفضهم السماح بإدخال الأغذية والأدوية التي ترسلها المنظمات الدولية والدول المانحة، وتأتي للحديث عن ضحايا مدنيين سقطوا نتيجة للمواجهات.

لماذا لم تتدخل تلك الدول وهي ترى الانقلابيين يجندون الأطفال في ميليشياتهم ويدفعونهم لمحارق الموت؟ لماذا صمتت وهي تراهم يستبيحون اليمن ويغتصبون شرعيته؟ كيف تغاضت عن الأسباب التي أوصلت الشعب اليمني إلى هذه الدرجة من البؤس، لاسيما بعد تقارير مؤكدة تثبت أن عدد المصابين بالكوليرا سوف يلامس المليون بنهاية العام الجاري؟ ماذا قدمت لأولئك المرضى؟ هذه أسئلة منطقية ومشروعة، إذا لم يجد المعنيون بالإجابة القدرة للرد عليها وتبرير مواقفهم، فلا أعتقد أن من حقهم أخلاقيا الحديث عن تداعيات صمتهم وتخاذلهم.