نشرت الصحف المحلية بتاريخ 13 / 12 / 1434 ، خبرا مفاده أن أمانة العاصمة المقدسة قد اعتمدت نظام زيادة ارتفاع المباني بمدينة مكة المكرمة، وقد تباينت هذه الارتفاعات بين حي وآخر، ففي حين وصلت هذه الزيادة إلى 20 طابقا في المناطق المركزية نجدها قد تقررت في أحياء أخرى لا تزيد على 5 طوابق أوطابقين، وتطرق الخبر إلى أن القرار قد روعي فيه الحفاظ على الأفق، والذي يشكل جزءا لا يتجزأ من هوية مكة المكرمة بما يتناسب مع قدسيتها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ترى ما هو تأثير هذه الزيادات على البنية التحتية الخاصة بشبكات الخدمات، وهل تم إشراك الجهات التي تقدم هذه الخدمات للمشاركة في مثل هذا القرار؟ في رأيي الشخصي أن مثل هذا القرار يجب أن يصدر من قبل الهيئة العليا لتطوير مدينة مكة المكرمة، وذلك بعد إجراء دراسة مستفيضة مع ضرورة إشراك جميع الجهات ذات العلاقة مثل شركات الكهرباء والمياه والاتصالات وإدارات الطرق لكي يتم الأخذ في الاعتبار مدى زيادة الكثافة السكانية المتوقعة، وبالتالي زيادة الطاقة الاستيعابية المفترضة في شبكات الخدمات لتتواءم مع معدلات الزيادة بما يضمن عدم حصول أي عجز أو قصور في إمداد وتقديم هذه الخدمات.
ولعل أفضل حل جذري لمثل هذه الأمور هو أن تقوم وزارة الشؤون البلدية والقروية، ممثلة في الأمانات بالمدن، على تصميم المخطط الشامل للمدن، وذلك للسنوات القادمة، ونشره ومشاركته مع كافة الجهات الخدمية والحكومية، وليس في مجال التخطيط الحضري فقط، بل يشمل ذلك دمج جميع المخططات العامة للمياه والكهرباء والاتصالات والطرق في مخطط موحد وشامل، بحيث تكون جميع الخطط والتعديلات في الأنظمة السكنية والبنية التحتية متوافقة بشكل احترافي ومدروس، فالمدن لدينا تنمو عمرانيا وسكانيا بشكل متسارع يتطلب مراعاة كافة الخدمات والنواحي العمرانية والهندسية والاستغلال الأمثل للموارد وبما يتوافق مع خطة التحول الوطني ورؤية المملكة 2030، والتي اعتمدها مهندس هذه الرؤية الطموحة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، فعلى سبيل المثال لا الحصر أن تتم مراعاة الفراغات العمرانية واستغلال التشكيلات العمرانية للبنايات بما يتناسب مع الظروف المناخية بكل مدينة، فالمناطق الحارة مثلا يجب أن يكون فيها التشكيل العمراني مماثلا للنسيج المتضام، وذلك للتقليل من اكتساب المبنى للحرارة، وأن تتم زيادة تظليل الممرات الخارجية بين المباني، وزيادة استخدام التشجير بشكل مناسب.
إن وجود مثل هذا المخطط الشامل يعزز مبدأ الشفافية ويضعنا على خارطة الطريق الصحيح، ويقطع الطريق أمام الاجتهادات التي تؤدي إلى نتائج كارثية في بعض الأحيان مثل اعتماد المخططات في مجاري الأودية والسيول، والتي راح ضحيتها الكثير في كارثة السيول السابقة بمحافظة جدة، فما دمنا لا نمتلك مخططا شاملا فالطريق مفتوح أمام الاجتهادات التي قد ينقصها الكثير من الدراسات الداعمة، والتي قد تؤثر بشكل إيجابي في بعض النواحي إلا أنها تؤثر بشكل سلبي في نواح أخرى.