في مقاييس النجاح والإخفاق لأي مؤسسة يقال دائما (فتش عن الإدارة!)، والمقصود مدير هذه المؤسسة أو تلك، فالمدير هو من يستطيع أن يحدث الفرق، والمديرون نوعان: المدير القائد، والمدير التنفيذي، وكلاهما مطلوب وضروري ومهم لأي منظومة عمل أيا كانت، والفرق بينهما هو أن القائد يهتم بالاستراتيجيات والخطط ووضع الآليات اللازمة لتنفيذها، والتنفيذي مهمته تطبيق ما وضعه القائد في الميدان العملي بدقة ومرونة وحزم في آن واحد، والاثنان يحتاجان الإرادة الصلبة الطموحة!!.
وبطبيعة الحال فإن القائد لن ينجح إلا إن أحسن اختيار المدير أو المديرين التنفيذيين معه، وهؤلاء من يسمون بالصف الثاني في أي وزارة أو إدارة، فإذا أحسن القائد اختيارهم بحيث يكونون معه على ذات الخط الفكري والتخطيطي والإرادة نجحت الوزارة أو الإدارة، أما إن كانوا بخلاف ذلك، أو غير مقتنعين بفكر قائدهم ولا خططه، فلن تنفذ ميدانيا أو ستكون فائدة تنفيذها محدودة جدا، هذا إن لم يعملوا ضدها ويشجعوا من بعدهم في الميدان على رفضها وأحيانا تشويهها!!.
والسبب هنا واضح، وهو أن القائد لم يحسن اختيار مساعديه الذين هم المعنيون بتنفيذ الخطط في الميدان، هذه الخطط التي وافقوه عليها حين أشركهم في مناقشتها ووضع أطرها، لأن القائد الناجح الواثق من نفسه ومن قدراته لا يتفرد بوضع الاستراتيجيات والخطط بل يشرك كل العاملين معه في اقتراحها ومناقشتها، ويستعين بمختصين يستشيرهم من خارج وزارته أو مؤسسته، حتى تتبلور، وتتشكل حولها قناعة وفهم!!.
قلت إن سبب الفشل هو أن القائد لم يحسن اختيار مساعديه التنفيذيين!!، حسنا، فماذا تكون عليه الحال إذا لم يكن من صلاحيته أصلا أن يختار، وإنما عليه أن يتعامل مع الموجودين قبل قدومه!!.
هنا ينقسم القادة إلى ثلاثة أقسام أو أنواع: الأول قائد ناجح قادر، وهذا إما أن ينجح في بث روح العمل وحماس الإنتاج وقبول التطوير والتغيير وكسب ولاء الموجودين كما هم دون تغيير، أو يقوم بالاطلاع وفحص مستويات العاملين المؤهلين في وزارته أو مؤسسته وسيجدهم حتما، ثم يقوم بتغيير الصف الثاني من داخل الوزارة أو المؤسسة، وذلك بتغيير المواقع، وتحريك الكراسي، وتقديم الكفاءات وتكليفهم بتنفيذ الاستراتيجيات والخطط الموضوعة، والنماذج من هذا النوع من القادة موجودون في بلادنا ومعروفون وآثارهم واضحة، قديما والآن.
النوع الثاني، هو الذي يقوم بالتحايل على الأنظمة بطريقة تمكنه من جلب كفاءات من خارج منظومة وزارته أو مؤسسته، فيشكل بهم إدارة تنفيذية موازية، مع تجميد الصف الثاني الموجود، وهذا النوع من القادة يشعر أنه لا يجب تضييع الوقت في تقييم الموجودين، فلو كانوا ناجحين لأفادوا من السابق ومع السابقين من القادة، ولهذا يختصر الوقت والجهد ويجلب كفاءات جاهزة تعاونه في وضع الخطط وتنفيذها في الميدان، وهذا النوع من القادة الجريئين قليل أو نادر، ومع أن هذا الأسلوب فيه اختصار للوقت والجهد إلا أنه مكلف ماليا، ونجاحه أو فشله لم يجرب، لا سيما وأنه حتما سيجد مقاومة من منظومة العمل السابقة!!.
النوع الثالث، هم القادة - أو من يفترض أنهم قادة - الندابون العاجزون الذين يتذرعون بانعدام صلاحية التغيير لديهم في ما يتعلق بالصف الثاني من العاملين في وزاراتهم أو مؤسساتهم، وهؤلاء ومع أن عذرهم وجيه في موضوع الصلاحيات، إلا أنهم يستطيعون الاقتداء بالنوع الأول، لو أن لديهم قدرة قيادية تواقة إلى التغيير والتطوير من الداخل، ومع الأسف أن هذا النوع من القادة هو الشائع وهو الأغلب!!، وهو سبب جمود وفشل بعض القطاعات في القيام بواجباتها ومواكبة التطور والتغيير الوطني بحيوية وفاعلية، والسؤال هل النوع الثالث يملكون شيئا من مواصفات وكفاءة القادة؟! هل هم قادة أصلا؟! هذا هو السؤال!!.