يدرس عبدالرحمن في فصل متوسط بإحدى مدارس المدينة حيث الكثافة السكانية بالفصل تصل إلى 51 طالبا. ابن عمه، وبذات المرحلة، يدرس في قرية مهجورة بعيدة، حيث الفصل مجرد أربعة طلاب وفي مبنى حكومي ضخم. ثالث العصبة يدرس من المنزل على أساس فكرة المدرسة الافتراضية نظراً لإغلاق مدرسته الحدودية. وهذه النماذج الثلاثة من تركيبة الفصل والمدرسة هي بالتقريب شكل كل المدارس الحكومية. إما زحام هائل أو فقر اجتماعي مدقع على النقيض. إما خمسون نفساً في فصل ضيق وإما خمسة في هندسة فراغية هائلة. بالمناسبة يبلغ معدل عدد الطلاب في مدارس مدينة الرياض المتوسطة 42 طالبا، وفي جدة يرتفع إلى ستة وأربعين. وقد يسأل أحدكم عن الخيار الأفضل من النماذج الثلاثة برأس المقال، وجوابي بسيط مباشر: كل هؤلاء بلا تعليم في المطلق. لا يمكن لطالب الزحام أن يتفاعل مع المعلم ولو حتى لبضع ثوان من زمن الحصة الدراسية، ناهيك عن استحالة تطبيق مفاهيم التعليم التفاعلي ما بين طلاب الفصل. وفي المقابل المناقض فإن طلاب الفصل الآخر الذي يشكو الفراغ في القرية لا يمكن له إنجاب طبيعة تنافسية، ناهيك عن الفقر النفسي والاجتماعي حين تضيق دوائر الاحتكاك وشراكة الأفكار إلى مجرد أربعة من أطفال قرية. والكارثة أن الحلول بسيطة جاهزة ويعرفها حتى هواة تربية الحمام حين يتعاملون معه بالجمع والقسمة. ومع هذا يقولون إن بالوزارة الموقرة مئات الدكاترة.
والكارثة الأدهى أن الذي اخترع الفكرة العبقرية لساعة النشاط هو بالتأكيد أحد هؤلاء الخبراء من الدكاترة. وحين سمعتها قبل أسابيع قلت لنفسي إن الأمر مجرد نكتة أو في أفضل الأحوال مقترح تحت الدراسة. لكنني عندما تأكدت أن ساعة النشاط هذه باتت فرماناً رسمياً أخذتني شكوك اليقين بأن المخترع قد يكون عقيماً لم ينجب، ليذهب معنا ومثلنا إلى مدارس أبنائنا ثم يشاهد الواقع والوقائع. هو لا يعلم مثلاً أن غالبية الطلاب لا يتسع لهم زمن الفسحة المدرسية للوقوف في طابور المقصف. هو لا يعلم أن طلاب الفصل الواحد هم من يخترع حكاية التناوب على الحصة الوحيدة للرياضة في الأسبوع، فلا يأتيه الدور سوى مرة واحدة في الشهر، وكما قال لي خلدوننا الصغير إنه بالكاد يركلها لمرتين في حصة واحدة لشهر كامل. هو أصلاً لم يقسم كل مساحة المدرسة على عدد الطلاب ليعرف رقم المساحة الفراغية لكل طالب بذات المدرسة، قبل أن يرمي علينا قنبلة ساعة النشاط. أحياناً أشك أن الفكرة هندسة حزبية صحوية كي تجمع الطلاب أمام المنبر لأنها الفكرة الوحيدة القابلة نسبياً للتطبيق، وهنا سأنتهي بالمثل الجبلي الشهير: استوت للدحيس.