لا يمر يوم في لبنان إلا ونسمع فيه تهديدات مباشرة وغير مباشرة ،لا يخاف منها إلا المواطن العادي الذي فُرض عليه أن يتعود الحرب، الخارجية والداخلية.
فجميع الأطراف اللبنانية غير مقصرة بالتهديد، وكلها لديها أبواقها وشاشاتها وفرسانها الذين يقرؤون قصائد عنترة بن شداد قبل أن يدلوا بتصريح، أو يحاججون ندا لهم، حتى باتت الفضائيات اللبنانية وغيرها من التي تتعاطى الشأن اللبناني، تضامنا أو على سبيل الإثارة، مغرمة بأسماء بعينها، تنتقيها ليس لشفافيتها السياسية بل لأنها تتقن فن القذف والسباب، حتى تكون الحلقة ساخنة.
إذا سلمنا جدلا بما تقتضيه الفسحات الإعلانية لبعض هذه المحطات، فليس معناه أن نُخرب بلدا من أجل حفنة من المشاهدين، الذين هم في الغالب يعرفون سلفا ما سيقوله هذا الضيف أو ذاك المنتمي إلى 14 آذار أو إلى 8 آذار، وهل هو مع قرار المحكمة الدولية، أو ضده، أو حتى ضد المحكمة من أساسها.
يتسمر اللبناني أمام الشاشة، لا ليسمع الحلول لمشكلاته المعيشية وهمومه اليومية من ماء وكهرباء، بل ليسمع ما سيقوله زعيم طائفته، وليس زعيم حزبه.
تأخذه النشوة عندما تلامس الشتيمة المُطلقة ما يتمناه ضد "الخصم". يقفل التلفزيون، أو يطوي الصحيفة، فيما جيبه خاوية، والفاتورة التي سيدفعها لم تنقص فلسا.
لم يعد في لبنان من كان يطلق عليهم أكثرية صامتة. فالجميع انغمس في الحرب الإعلامية، وفي هذه الحالة المطلوب من السياسيين قبل المواطنين، القليل من الروية.