ذات ظهيرة قبل زمن طويل دار حوار بيني وبين شقيقتي سارة كان مداره ضفائر أمي الشقراء والطويلة جداً، والتي تجعل أمي بدوية أكثر، ولا تشبه أمهات صديقاتنا الحضريات الجداويات اللواتي يأتين إلى المدرسة بشعر مقصوص على الموضة.
كان ذلك مزعجا لكلتينا، لكن سارة وقد يتعجب من يعرفنا ويعتقد أنها شقيقتي الهادئة جداً، والتي تكره المشاغبات والحماقات التي أتورط أنا عادة بها، لكنها وعلى غير عادتها اقترحت أن نستغل قيلولة أمي ونقص ضفائرها، لحظتها وجدتها فكرة حسنة، ووجدتني أقبض على ذيل الضفيرة وأمي نائمة على سريرها كالملاك، بينما قبضت سارة على المقص بقوة وبسرعة أحدثت صوتا انتهى باستيقاظ أمي وإطلاق صرخة مروعة ونصف ضفيرتها الطويلة تقريبا في يدي.
كانت وما زالت هذه اللحظة أكثر اللحظات ألما في حياتي كلها، لأن فجيعة أمي بشعرها كانت كبيرة جداً، ونظرتها الحزينة جعلتني أفر منها واختبئ ونصف الضفيرة مرتم في حضني أقلبه بحزن، وأقول لنفسي أمي كانت جميلة به، وأجمل من كل الجداويات، مما جعلني أخرج في النهاية باعتذار باك، وهو لايزال في يدي مما جعلها لا تضربني ولا تضرب أختي سارة.
في الحقيقة لم تضربني أمي أبدا سوى مرة واحدة، وكانت لأنني رفضت ارتداء العباءة. عادت ذات يوم وهي غاضبة جدا لقد عاتبها عمي عتابا قاسيا مَس كرامتها كأم وحيدة تعتني بتسعة أطفال لتخبرني بوجوب ارتداء العباءة لأقول لها إنني لا أحبها لأذوق مرارة أول صفعة في حياتي تبعها حديث مثل النواح أني أسأت إليها.
التزمت بالحجاب لكن ليس خوفاً من الضرب، لكن خوفا على سمعة أمي وقدرتها على التربية، كنت مثل ملايين السعوديات المهددات يوميا بسمعتهن، كأن المجتمع ليس له سوى الحديث عنهن حتى على بعض منابر المساجد تكاد تكون كلمات السقوط والانحراف والفساد والضياع مرادفة لكلمة امرأة، حتى إنك تسأل من بقي لم يتم قذفه من السعوديات؟
الكاتبات، المبتعثات، الطبيبات، الممرضات، موظفات البنوك، والآن سيبدؤون فصلا جديدا مع قائدات السيارات.
الغريب أن أكثر أمر حذّر منه صلى الله عليه وسلم هو رمي المحصنات، بل جعله من الكبائر ومن الموبقات، بل له عقوبة دنيوية وهو الحرمان من الإدلاء بالشهادة واعتبار فاعله فاسقا فسوقا مؤبدا حتى يعترف بكذبه ويندم عليه ويتوب.
لكن هؤلاء يحترفونه حتى إنك لو اختلفت مع أحدهم في حوار أو في رأي في العمل أو حتى حصلت على مكانة تعلوه في المؤسسة أو الوزارة لقال لأنها كذا وكذا، بل حتى لو منحوك فرصة الكتابة في صحيفة.
كل هذا جعل الخوف يحيط بِنَا كسعوديات لا نستطيع حتى الاعتراف بحاجاتنا، وهذه قصة أخرى، ربما تحتاج لمقال آخر، لكنه لن يكون عن أمي.