وفي سياق الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية التي تُنذر باندلاع الحرب الكورية الثانية، ثمة سؤال يفيد: هل تسعى تل أبيب لاستغلال هذه الأزمة لصالح إقامة علاقات رسمية مع بيونغ يانغ أم أن الأخيرة لديها مبررات مهمة للانفتاح على إسرائيل، في سبيل خفض التوتر مع واشنطن.
ومن المؤشرات الأولية على أن كوريا الشمالية تفتح أبوابها أمام الإسرائيليين، حصول شركة سياحية إسرائيلية مؤخرًا على امتياز حصري لإصدار تأشيرات دخول للسائحين إلى كوريا الشمالية. التي ليست معرّفة بصفتها دولة عدوة لإسرائيل.
ومن اللافت مؤخراً، انتقاد وزراء إسرائيليين بارزين زميلهم وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان عقب مهاجمته رئيس كوريا الشمالية، بقوله: «هذا المجنون من كوريا الشمالية هو الحليف الأقرب للأسد وإيران أيضًا. يعمل هنا محور من الشر، بدءا من كوريا الشمالية عبر إيران وصولا إلى سورية وحزب الله. يهدف هؤلاء الأشخاص إلى محاولة تقويض الاستقرار في العالم كلّه. هذه مجموعة متطرفة ومجنونة». فقد سخر وزير الأمن الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون من ليبرمان ووصفه بـ«وزير الثرثرة» بشأن كوريا الشمالية بكلام عديم المسؤولية. وانتقد استشراء ظاهرة الثرثرة من قبل وزراء وبشكل غير مسؤول. بقوله: «مرة نعترف بمهاجمة سورية ومرة أخرى نهاجم كوريا الشمالية. لنفترض أن كوريا الشمالية عضو في محور الشر فهل ينقصنا أعداء؟. ولماذا نحتاج القفز على رؤوسنا؟».
وردت وزارة الخارجية الكورية الشمالية باستنكار على أقوال ليبرمان، وقالت في بيان إن «هذه أقوال منحطة، شريرة وتشكل تحديا مؤسفا لكوريا الشمالية. ومن الأفضل أن تفكر إسرائيل مرتين حول عواقب انجرارها إلى حملة شريرة ضد كوريا الشمالية وعقاب لا يرحم».
وكانت آراء المحللين السياسيين الإسرائيليين المتعلقة بالأزمة الكورية تحمل بعض العقلانية والمكر السياسي، إذ وجد آفي بتسور المحلل في صحيفة «إسرائيل اليوم» أن «تحالفا حقيقيا برغم صعوبات تحقيقه، يمكنه أن يؤدي إلى الهدوء في كوريا، ويعطي إشارة إلى أن العقلانية قد عادت إلى العالم».
أما سيفر بلوتسكر المحلل السياسي لصحيفة «يديعوت» فيعتقد أن «السبيل الوحيد لإحداث التغيير في كوريا الشمالية كي يكون ناجعا ودائما ينبغي دوما أن يأتي من الداخل. وأن كوريا الشمالية في العامين الأخيرين تبدي مؤشرات واضحة على الحراك غربا. فالنظام يشجع إقامة أسواق شبه رأسمالية، يسمح المزيد فالمزيد من الاحتفاظ بالملكية الخاصة، يتجاهل العلاقات مع الأقرباء من الجنود، بل بدأ بتحفيز التنمية التكنولوجية. ومن النموذج السوفيتي المتطرف انتقلت كوريا الشمالية إلى النموذج الصيني: انفتاح اقتصادي كبير، انفتاح ثقافي صغير، صفر انفتاح إيديولوجي وسلاح نووي».
وذكر تقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن تل أبيب لم تمانع، إبان حكومة إسحاق رابين في عام 1993، إقامة علاقات مع بيونغ يانغ، سعياً لثنيها عن مواصلة بيع صواريخ «سكود» إلى طهران، ودعم المشروع النووي الإيراني، و«ترويض كوريا الشمالية»، واحتواء مشروعها الذري. وأنه كان من بين محاولات «الترويض»، محاولات إسرائيلية، تضمنت حتى وصول وفد إسرائيلي رسمي إلى بيونغ يانغ. وبحسب «يديعوت أحرونوت»، كانت دوافع بيونغ يانغ، بحسب الصحيفة، سياسية واقتصادية، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في تلك الفترة، مما أبقى الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم. وكانت كوريا الشمالية على وشك الانهيار اقتصادياً، وكان زعيمها الأب، كيم إيل سونغ، يحتضر، فيما بحث أركان الحكم، في ظل كون الابن الوريث، كيم جونغ إيل، معروفاً في تلك الفترة بعبثه ومجونه، عن طريق فتح قنوات اتصال مع الغرب وإنقاذ كوريا الشمالية من الانهيار، بينما كانت الدوافع الإسرائيلية أمنية.
واقترحت كوريا الشمالية، كخطوة أولى، أن توافق إسرائيل على إعادة تشغيل منجم الذهب الكبير في مقاطعة أونسان، الذي كانت أميركا قصفته وعطلته عن العمل خلال حرب الكوريتين. وفي المقابل سافر، في نوفمبر عام 1992، وفد إسرائيلي رسمي، ضم بن تسور، وعلماء جيولوجيا وعددا من رجال الأعمال، من دون علم من «الموساد»، الذي أوفد نائب رئيس جهاز «الموساد» يومها، إفرايم هليفي، إلى بيونغ يانغ.
وفيما تحدث الكوريون عن المساعدات الاقتصادية والتعاون التجاري، مطالبين، في الوقت ذاته، بقرض بقيمة مليار دولار، كان الطرف الإسرائيلي يصر على الحديث عن وقف بيع السلاح لكل من إيران وسورية وليبيا. وقد حقق الوفد الإسرائيلي تقدماً في المباحثات مع بيونغ يانغ، لكن سقف التوقعات الإسرائيلية انخفض، في ظل سعي الولايات المتحدة إلى إفشال أي اتفاق مع كوريا الشمالية، حتى بعد أن قال الجانب الإسرائيلي إن بيونغ يانغ تتوقع أن تصل من خلال إسرائيل إلى قلب الولايات المتحدة.
وواصلت إسرائيل الاتصالات مع كوريا الشمالية عبر قناتين متوازيتين، لكن من دون التقدم نحو توقيع الاتفاق، قبل الحصول على ضوء أخضر من البيت الأبيض. وفي غضون ذلك، وصلت إلى تل أبيب رسالة رسمية من وزارة خارجية كوريا الشمالية تضمنت دعوة رسمية لوزير الخارجية الإسرائيلي، شمعون بيريز، لزيارة كوريا الشمالية.
ورغم أن الكوريين وافقوا على تشكيل لجنة مشتركة للبحث في المطلب الإسرائيلي بوقف بيع السلاح لدول المنطقة، في مقابل أن تضمن إسرائيل قرضاً بقيمة مليار دولار ومشاريع للاستثمار في كوريا الشمالية، واعتراف بيونغ يانغ بتل أبيب وتطبيع العلاقات معها، فإن الولايات المتحدة طالبت، بوقف الاتصالات الإسرائيلية مع كوريا الشمالية. لكن وكيل الخارجية الإسرائيلي بن تسور عقد لقاء رسميا مع الجنرال تشاو بيغ جينغ، لكن الولايات المتحدة تدخلت مرة أخرى، واعترضت على مواصلة الاتصالات والمباحثات الإسرائيلية مع كوريا الشمالية، ومنعت عقد لقاء مشترك بين وفد إسرائيلي ووفد من كوريا الشمالية في باريس في أغسطس عام 1993.
وتجدد سعي تل أبيب لاستغلال الأزمة الكورية الحالية لصالح إقامة علاقات رسمية مع بيونغ يانغ يستند إلى دوافع أمنية واستراتيجية وقناعة تفيد بأن التصعيد الكوري الشمالي هو مجرد ابتزاز سياسي يعكس أزمة داخلية تتعلق ببقاء نظام الحكم القائم ومبررات مهمة للانفتاح على إسرائيل، في سبيل خفض التوتر مع واشنطن.
يذكر أن إسرائيل كانت قد وافقت عام 2000 على طلب أميركي يدعوها إلى المشاركة في برنامج مساعدة دولية لكوريا الشمالية، ويهدف إلى منح بيونغ يانغ حافزا إيجابيا لكبح برنامجها الخاص بتطوير صاروخ أرض- أرض وأسلحة نووية. فهل تستغل إسرائيل حالياً مؤشرات انفتاح بيونغ يانغ عليها للعب دور الجسر بين بيونغ يانغ وواشنطن؟.