كان يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص، دخله الشهري في حدود 4 آلاف ريال، لديه زوجة وأطفال، مأواهم شقة مستأجرة، وسيارته التي تقله إلى عمله، وتخدم أسرته، إيجار منته بالتمليك، فور إيداع راتبه في حسابه البنكي، يستقطع البنك مبلغ القسط الشهري، الذي يخص قرضا سابقا، وما تبقى منه يوزعه بين أسرته، وقسط سيارته، وإيجار بيته، وفواتير الكهرباء والهاتف...، وقبل نهاية الشهر يستدين إن وجد من يساعده، ويثق بقدرته على السداد؛ لكي يوفر لمن يعولهم أساسيات الحياة.
هكذا هو ديدن هذا الموظف مع محدودية دخله من جهة، ومن تذمر أسرته من جهة أخرى، وعلى هذا المنوال تسير حياته، وفي أحد الأيام حدث ما لم يكن في الحسبان، لقد تلقى خطابا يفيد بأنه قد تم الاستغناء عن خدماته، للوهلة الأولى لم يستوعب عقله الخبر المشؤوم، الذي وقع عليه كالصاعقة، وبعد برهة انهالت عليه تساؤلات تترى، أخذته إلى عالم بعيد، احتار في شؤونه، وعاد إلى خطابه وهو يفكر في مصير أسرته وأولاده الذين لا يكاد يسد حاجتهم مع وجود راتبه الشهري، فكيف إذا انقطع وتوقف فجأة دون سابق إنذار، ماذا يقول لأبنائه وزوجته إذا عاد إليهم؟!
ما سلف نموذج لموظف يعمل في القطاع الخاص، تم فصله بذريعة ظروف اقتصادية تمر بها منشأته، والمعضلة أنه كان مجرد رقم سعودة، لأجل استقدام وافدين للعمل بجانبه، لم يؤهل، ولم يحصل على دورات تعليمية، ولم تتح له فرصة أخذ خبرة واسعة، وبالتالي حصوله على فرصة وظيفية بديلة أمر في غاية الصعوبة، والغريب في هذا الصدد أن المنشأة تظل تعمل كما كانت، وقد تستقدم موظفين من الخارج، مواصلة ممارسة نشاطها المعتاد! فلماذا يا ترى تستغني عن الموظف السعودي؟
هناك من يقول إن المؤسسات والشركات تحاول فصل السعودي بعد إيقاف الدعم الحكومي عنه؛ لتوظيف آخرين يحصلون على الدعم، فيقل ما تمنحه لهم من مخصصات مالية، وهنا يفترض أن المنشآت الوطنية لديها إحساس وطني عميق، يغلب مصالحها الضيقة، فتهتم بالموظف السعودي، ولا تقطع رزقه، وتدفعه إلى المجهول، مستغلة المواد القانونية التي عدلت مؤخرا، وجعلت الاستغناء عن الموظف ممكنا حتى لو لم يتوفر ما يدعو إلى ذلك.
على أي حال أعتقد أن مواد نظام العمل التي اتخذها البعض ذريعة لفصل السعوديين بحاجة إلى إعادة نظر، فكما هو معلوم نسبة السعوديين مقارنة بالوافدين متدنية؛ لذا من المبكر إقرار مثل هذه المادة، فنحن في وضع يحتم تشجيع العامل السعودي، وتثبيت قدمه في قطاع يغلب على مفاصله الوافدون، ثم إني أقترح إجراء تعديلات قانونية تأخذ الموظف المتزوج بعين الاعتبار، بحيث لا يفصل إلا في حالات محددة ومقننة، وإذا فصل يُضمن له ولأسرته العيش الكريم، بدخل شهري مجز حتى يجد له فرصة وظيفية أخرى؛ لأن توقف راتب الموظف، يعني ضياع أسرته، وضياعهم يؤدي إلى مشاكل مجتمعية لا حصر لها، أبرزها حدوث الطلاق الذي تزايدت نسبه في الآونة الأخيرة.